Ibn Hanbal: His Life and Era – His Opinions and Jurisprudence
ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه
١٢٠- ولعل أظهر بيان لروح العلم في ذلك العصر، والاحتكاك الفكري وثمراته الإمام الشافعي، فإنه قد جاء حاملاً لروح ذلك العصر، حاكياً لمشاكله الفكرية في الفقه والسنة، ففيه بيان حال أولئك الذين كانوا ينكرون الاحتجاج بالسنة، من بعض علماء البصرة، وفيه حال أولئك الذين كانوا لا يحتجون بخبر الآحاد، ولا يقبلون من السنة إلا ما كان متواتراً، أي خبر جماعة. على حد تعبير الشافعي، وقد كان رد الشافعي عليهم قوياً، ومناقشته لهم حاسمة، إذ ضيق عليهم السبل، حتى أخذ الحق من أفواههم، وفيه مناقشة لأولئك الذين يقدمون القياس على خبر الآحاد، أو يردون بعض أخبار الآحاد، لعموم القرآن، وفيه مناقشة الذين يقدمون بعض المأثور عن الصحابة على خبر الآحاد، ونرى تلك المناقشات في أبواب مختلفة، من مثل كتاب اختلاف مالك، وفقه العراقيين، والرد على سير الأوزاعي، وفيه بحث مستفيض لإبطال الاستحسان، ورد من يأخذ به، وهو في هذا يرد على المالكيين، والعراقيين، وغيرهم، ممن تجاوزوا في الاستدلال الفقهي النص، أو الجمل على النص.
وفي الجملة إننا لا نجد كتاباً يقرأ فيه القارئ الصور الفقهية لعصر الاجتهاد، وخصوصاً الزمن الذي نشأ فيه أحمد بن حنبل، ككتاب الأم، فإنه بسط الآراء المختلفة ما وافق عليه أقره، وأيده بالأدلة القوية، وما خالفه رده ونقده، وبين وجه الزيف فيه عنده.
ولم يجئ الكتاب حاملاً لروح العصر بمعانيه فقط، بل جاء حاملاً لهذه الروح في شكله أيضاً، فقد جاء في شكل مناظرات، يحكيها، أو يفرضها، فهو يحكي في ذلك الكتاب ما كان يقوم بينه وبين غيره من مناظرات، وأحياناً يفرض مجادلاً يوجه إليه القول، وتجرى بينهما المناظرة.
١٢١ - وإذا كان العصر عصر جدل، واحتكاك فكري، ونضج في العلوم الدينية وقد وجد فيه من ينكر السنة، ومن ينكر الاحتجاج بخبر الآحاد، فماذا كان تأثير ذلك كله في نفس أحمد رضي الله عنه؟
إن تأثير العصور والبيئات في نفوس مفكريها مختلف باختلاف اتجاه هؤلاء المفكرين، وباختلاف ما يستسيغونه من عناصر البيئة، وإن بيئة فكرية كالعصر
114