92

فألقين سكينة علينا

وثبت الأقدام إذ لاقينا

فقال رسول الله

صلى الله عليه وسلم : من هذا السائق؟ قالوا: عامر بن الأكوع، فقال: «يرحمه الله».»

ولنذكر مع كلام الإمام ابن الجوزي أنه ألف كتابه للكشف عن تلبيس إبليس، فلم يدع طائفة إلا كشف منها لونا من ألوان هذا التلبيس، ولم يستثن الحكماء والفلاسفة والمتصوفة والنساك، فما بالك بأصحاب الفنون وقالة الشعر ومنشدي الغناء.

شياطين الشعراء والكتاب

يغلب أن يكون شيطان الشعر من خلق الشعراء أنفسهم، وأن يكون الكلام عنه لاحقا لظهور الشعر وانتشاره، فإن لم يكن هذا الشيطان مخلوقا شعريا، فهو مخلوق خيالي أبدعه كاهن قديم، أو مفكر من مفكري الجاهليات الغابرة له خيال كخيال الشاعر، وقد تشابه أسلوب السحرة والكهان في نبوءاتهم المزعومة باللغات المعروفة بين أهل المشرق والمغرب، فكلها تتوخى السجع والقافية، وتخالف كلام الساحر أو الكاهن في سائر أقواله، ليصح القول فيها إنها من وحي غير وحيه، ومصدر باطن غير مصدر تفكيره الظاهر، فإذا نسب الشعر إلى مصدر كمصدر السحر فالخطوة قريبة، والقياس معقول. ولم يزل بين الشعر والسحر نسب قديم.

على أن خيال الشعراء يعمل في تصوير كل كائن غير منظور ولو لم يكن من خلق الشاعر، وشيطان الأديان لم يخلقه الشعراء، ولكنهم صوروه في الصور التي تتمثل للعين، والصور التي يدركها الفكر وتلم بها أحلام اليقظة، وندر من الشعراء خاصة من سمع بالشيطان ولم يصوره لنفسه على صورة قابلة للتمثيل في العيان، أو للتجسيم على يد الفنان، وقد صنع له المثالون الغربيون تماثيل على صورة الإنسان ذات ذنب وقرنين وظلف كأظلاف الجداء، وجاء في الشعر العربي ما يصلح أن ينقل منه تمثال محسوس كما قال بعض الأعراب في رواية الخليل بن أحمد:

وحافر العير في ساق خدلجة

وجفن عين خلاف الإنس في الطول

Bog aan la aqoon