89

بعد قتال مثير، يهاجم الليكيون بقيادة ساربيدون وجلاوكوس (الذي تبادل الدروع في السابق مع ديوميديس فأعطاه درعه الذهبي وأخذ درع ديوميديس البرونزي) إحدى البوابات. ويلخص ساربيدون عقيدة الأبطال (12، 322-328): لو كان بمقدور المرء، بطريقة ما، أن يفلت من قبضة الموت، لما كان للحرب معنى؛ ولكن بما أنه لا يوجد إنسان يفلت من قبضة الموت، فيمكنك بالمثل أن تسلك مسلكا مشرفا.

وفي حماسة شديدة، يهاجمان الجدار بضراوة حتى إن مينلاوس، ملك الأثينيين، المدافع عنه، يستدعي الأياسين، اللذين يحبان أن يقاتلا معا (ليسا أقرباء). فيهرع أياس الأعظم شأنا، ابن تيلامون، إلى معاونة مينلاوس ويقتل الكثيرين حينما يصعد هيكتور، الذي يلتقط حجرا ضخما ويقذف به على البوابات، فيكسر المزلاج، وتنفتح البوابة على مصراعيها. ويخترق الجدار. (16) «المعركة عند السفن» (الكتاب 13)

كان من شأن دخول المعسكر وحرق السفن أن يكون فائق السهولة على هيكتور والطرواديين، في الوقت الذي يعود فيه باتروكلوس أدراجه إلى خيمة آخيل. ولكن هوميروس بحاجة إلى إبطاء الأحداث حتى يستطيع الاستمرار في تسلية المستمعين عبر تصويرات حية للعنف. ثمة ميزة ملحوظة في أسلوب هوميروس؛ إذ رغم تسارع الأحداث، لا يوجد تعجل لإنهاء القصة، كما لو لم يكن لديه أي قيود زمنية على الإطلاق. كنا نتمنى لو استطعنا تفسير ميل هوميروس إلى هذه الوتيرة المتمهلة، ولكن لا يسعنا إلا أن نستنتج أن ناسخه وراعيه أعجبا واستمتعا بها. لقد كان هوميروس هو أعظم أساتذة إطالة أمد الأحداث؛ إذ، حسبما نعلم، لم ينظم أي شاعر آخر قصائد بهذا الطول.

في هذا الموضع نجده يبطئ تسارع الأحداث بمشهد «المعركة عند السفن»، الذي يختبر فيه إقدام هيكتور؛ بسبب تغافل زيوس وتحريض بوسيدون . يجلب هوميروس إلى الموقف الدرامي كل القادة العظام (عدا آخيل) من الجانبين، ونحصل على أفضل لقطة لقادة الجيشين المتحاربين حتى الآن. فقادة الآخيين (بالنظر إلى أن ديوميديس، وأجاممنون، وأوديسيوس مصابون) هم الأياسان، وتوسر (الأخ غير الشقيق لأياس ابن تيلامون)، وأنتيلوخوس (ابن نيستور)، ومينلاوس، وإيدومينيوس ملك الكريتيين، ومينيسثيوس ملك أثينا (وليس ثيسيوس الشهير، الذي كان سلفه)؛ أما قادة الطرواديين فكانوا الأشقاء الأربعة هيكتور، وباريس، وديفوبوس (الذي سوف يصبح قرين هيلين بعد موت باريس)، وهيلينوس (العراف)، فضلا عن إنياس (ابن أفروديت).

عندما يقول هوميروس إن انتباه زيوس شرد بعيدا عن ساحة المعركة، يعرف المستمع أن ثمة استطرادا في سبيله إلى الوقوع، وهو في هذه الحال استطراد طويل جدا؛ إذ لا يعيد هوميروس المعركة إلى ما كانت عليه عند نهاية مشهد «المعركة عند الجدار» إلا بعد ذلك بكتابين ونصف.

في موضع سابق هدد بوسيدون وهيرا بالتصدي لمخطط زيوس لهزيمة الآخيين، والآن يستغل بوسيدون غفلة زيوس الطائشة ليدخل المعركة بنفسه. يقبل بوسيدون على طروادة في وصف مؤثر:

فأسرج إلى عربته جواديه ذوي الحوافر البرونزية، سريعي الحركة بعرفيهما الذهبيين، وكسا جسده بالذهب وتزود بالسوط الذهبي متقن الصنع وامتطى عربته وقادها فوق الأمواج. إذ ذاك تقافزت وحوش البحر من تحته من كل جانب منطلقة من الأعماق؛ إذ كانت تعرف سيدها جيدا، وانشق البحر عن طيب خاطر أمامه. وانطلق الجوادان المتبختران بأقصى سرعة دون أن يبتل دولاب العجلات البرونزي تحتهما يحملان سيدهما إلى سفن الآخيين. (الإلياذة، 13، 23-31)

إن كل تمثيل فني لبوسيدون/نيبتون يرجع إلى هذا الوصف، كما فهم هيرودوت عندما أشار إلى أن هوميروس وهيسيود «هما اللذان لقنا اليونانيين بشأن نزول الآلهة، ومنحا الآلهة أسماءها، وحددا نطاقاتها وأدوارها، ووصفا أشكالها الخارجية» (كتاب «التاريخ» لهيرودوت، 2، 53).

متخذا هيئة العراف كالخاس، يحمس بوسيدون الأياسين وقائمة من الأسماء الأخرى. ويموت الكثيرون مع اشتداد وطيس القتال. يتخذ بوسيدون هيئة شخص يدعى ثواس ويشجع الملك الكريتي إيدومينيوس، الذي يلقى مواطنه الكريتي ميريونيس بعد ذلك بفترة وجيزة، على الخروج من المعركة لجلب رمح، مما يتيح لإيدومينيوس أن يلقي خطابا عن الشجاعة والجبن، وكأن هوميروس لا يشعر أبدا بالحاجة إلى العجلة.

من الصعب أن ندرك كيف يتخيل هوميروس توزيع القوات؛ لأن بوابة واحدة فقط هي التي خلعت، وهو الموضع الذي منه هاجم هيكتور ودافع الأياسان. غير أنه يبدو أن الصف منقسم إلى ثلاثة أجزاء، جناحين وقلب، مع أننا لا نسمع أي شيء على الإطلاق عن ميمنة الجيش الطروادي. يمضي إيدومينيوس وميريونيس إلى ميسرة الجيش الطروادي ويقتلان كثيرين، بعضهم ممن لهم شأن. وسرعان ما يجد إيدومينيوس نفسه مع إنياس العظيم، الذي يدخل معه في مبارزة غير فاصلة. ويصاب الطروادي هيلينوس، وهو رامي سهام مثل باريس، والطروادي ديفوبوس وينسحبان. وفي رقصة الموت المعقدة، يرضي هوميروس ولع جمهوره بسفك الدماء التخيلي ويقدم للعالم أول وصف لمشهد «إصابة بطلقة في الأحشاء»، وهي أسوأ طريقة للموت (كما يعرف كل مقاتل بالأسلحة النارية):

Bog aan la aqoon