121

في كل مكان توجد إشارات إلى أن ثمة شيئا خارجا عن المألوف يجري، ولكن بينيلوبي ترفض بعناد أن ترى، أو تتظاهر بأنها لا ترى. لا يطلعنا هوميروس على أفكار بينيلوبي التي تدور في أعماقها، وسلوكها الذي لا يمكن في بعض الأحيان تفسيره والذي يبعث على التكهن والتخمين. أخبر تليماك أمه بشأن رواية مينلاوس حول احتجاز أوديسيوس على جزيرة. يصرح ثيوكليمينوس، المتنبئ الغامض، بأنه بالرغم من ذلك فإن أوديسيوس على الجزيرة. ولكن حتى النبوءة لا تستهوي بينيلوبي.

يجلس المتسول القرفصاء في مؤخرة غرفة المدفأة مستندا إلى عمود، وعندما يتذمر أنطونيوس المتعجرف المتنمر، يقدم إيومايوس معلومة مشوقة عن حياة المنشد الملحمي:

إن حديثك يا أنطونيوس يخلو من خير رغم ما أنت عليه من نبل. من الذي ينشد غريبا من بلاد غريبة ويدعوه بنفسه، إلا إذا كان واحدا من أولئك الذين يتقنون مهارة عامة؛ كأن يكون متنبئا، أو معالجا للأسقام، أو بناء، نعم، أو «منشدا» إلهيا، يضفي بهجة بإنشاده؟ إذ إن هؤلاء الرجال موضع ترحيب في كل أرجاء الأرض اللامتناهية. (الأوديسة، 17، 381-386)

إذن فالمنشدون هم رحالة، ويسر الناس باستضافتهم. بينما يتسول السيد في منزله، يلتهم الخطاب طعامه، ثم يبخلون أن يقاسموا فيه الآخرين. يضرب أنطونيوس أوديسيوس ضربة موجعة بمسند للقدمين. أمثال هؤلاء الرجال يستحقون الموت. فيحكي أوديسيوس حكاية تحذيرية أنه ذات يوم كان عظيما، ومع ذلك انحدر به الحال وحل به الدمار (مثلما يمكن أن يحدث أيضا للخطاب).

عندما تسمع بينيلوبي أن الخطاب ينتهكون حسن الضيافة ويهينون المتسول - المتسول الذي يمكن أن يكون إلها متنكرا - تصرح بأنها ترغب في الحديث إليه، وهو مشهد نترقبه بتلهف، عندما يقف الزوج والزوجة وجها لوجه بعد عشرين سنة. هل سيتعرف كل منهما على الآخر، ويتهاوى كل منهما بين ذراعي الآخر، وتصل القصيدة إلى نهايتها؟ لو أنك تصورت أن ذلك يمكن أن يحدث، فلا بد وأنك لا تميل إلى طريقة هوميروس في السرد القصصي. (18) «أوديسيوس والمتسول إيروس» (18، 1-158)، و«غواية الخطاب» (18، 157-428)

وسط أجواء التنكر، والتنبؤ، والامتهان يظهر فجأة متسول حقيقي، هو إيروس، الذي يحتج على حق أوديسيوس في مشاركته عتبة الباب. في مشهد صاخب يشبه لعبة مهاجمة الكلاب للدببة وينطوي على سخرية من النزال بين الأبطال، يتمنطق أوديسيوس بعباءته، وفجأة لا يبدو بائسا كثيرا. طوال هذه السلسلة من المشاهد يصبح الخطاب أكثر قلقا من أي وقت مضى من هذا الغريب المحير. يهدد أنطونيوس ببتر أذني المتسول الحقيقي وجدع أنفه وقطع أعضائه التناسلية إن خسر المباراة، وذلك في مشهد «ألعاب» مزيف يضاهي الأحداث الرياضية في ألعاب آخيل الجنائزية. يطرح أوديسيوس إيروس أرضا بلطمة عنيفة واحدة، و«رفع الخطاب النبلاء أيديهم، وكادوا يموتون من الضحك» (18، 99-100). وهذه الهيستيريا غير المنطقية تنذر بالموت.

لم تطالعنا بينيلوبي كثيرا في القصيدة، ولكن بدءا من هذا المشهد فصاعدا تصبح شخصية بارزة. فجأة تتمنى أن تظهر أمام الخطاب، ولكن من أجل استعادة جمالها بعد كثير من الحزن، يغالبها النعاس (مثل أوديسيوس عند المنعطفات الحرجة)، وتمنحها أثينا علاجا تجميليا. وبعد أن تستيقظ وتبدو متألقة (مثل أوديسيوس بعد عمليات تبديل هيئته)، تظهر على درجات السلم، مصحوبة بوصيفتين وقد ضربت بخمارها على وجهها إبداء للحشمة:

ثم للتو ارتخت ركب الخطاب واشتعل في قلوبهم شبق، وابتهل كل واحد منهم جميعا أن يضطجع بجوارها. (الأوديسة، 18، 212-213)

بطريقة محتشمة، تتظاهر بالانشغال على سلامة الغريب، إلا أن يوريماخوس يلتقط الطعم ويرغب فيها بشدة بكلمات ونظرات تلتهمها التهاما. تستغل بينيلوبي إعجاب الخطاب لتنتزع منهم هدايا، شاكية من أنه في فترة الخطوبة يجلب العرسان هدايا، ولكن كل ما يفعلونه هو الأخذ والأخذ فقط. يستحسن أوديسيوس في ذهنه خدعة بينيلوبي البارعة استحسانا تاما، غير ممانع لاستخدام زوجته لجاذبيتها الجنسية أداة لانتزاع مكسب مادي. نعم؛ لأن الكسب المادي أمر جيد، تستحسنه الزوجة مثلما يفعل الزوج الذي سافر كثيرا وبعيدا، والمهدد بشكل أساسي جراء أعمال السلب من قبل الخطاب.

يخيم الليل. حان وقت اللقاء بين أوديسيوس وبينيلوبي. يعد الخطاب مشاعل، ويشربون ويرقصون وتتحضر الخادمات للعمل على خدمة رغبتهم الجنسية؛ ومن شأن اجتماعات الشراب القديمة أن تنتهي بهذه الطريقة أيضا. يعرض المتسول أن يرعى النار، ولكن ميلانثو، التي على ما يبدو أنها شقيقة ميلانثيوس/الأسود، تهينه. كانت بينيلوبي تحمل معزة لميلانثو، ولكنها محظية يوريماخوس، التي تشتاق إلى الليل وما يصاحبه من جنس. يخمد أوديسيوس حميتها عندما يبين أن تليماك عما قريب سيتعين عليه أن يقطعها إربا إربا.

Bog aan la aqoon