في الفقرة الأصعب في القصائد الهوميرية ، يبني أوديسيوس «طوفا» ليهرب من الجزيرة، ولكن يبدو أن هوميروس أكثر ميلا للتفكير في قارب مسطح؛ لأن المركب له «دعامات» وربما «حواف عليا». يعتقد البعض أنه استمد لغة تقليدية من بناء سفينة الأرجو في الملحمة التي تدور حول جيسون، والتي يشير إليها هوميروس لاحقا (الأوديسة، 12، 70). قد يكون أوديسيوس بطلا، ولكنه على عكس المقاتلين الأجلاف بالرماح على سهل طروادة العاصف يمكنه أن يفعل أشياء حقيقية في عالم حقيقي. وراعيته أثينا هي الإلهة المختصة بهذا النوع من المهارات العملية، بالنسج والنجارة، تلك المهارات التي تصنع فارقا في حياة البشر.
يلمح بوسيدون، لدى عودته من عند الإثيوبيين المباركين، أوديسيوس في أعالي البحار ويرسل عاصفة عارمة، وهو وصف يلفت الانتباه للهول الذي يعرفه كل بحار. لا يحب أي بحار البحر، وبوسيدون الخطير والحقود، الذي انحاز للآخيين أثناء حرب طروادة، هو الآن العدو. ليس ثمة أي عامل خارجي يشكل دافعا لظهور ليوكوثيا من الأمواج التي تمثل، بغطائها الغريب الذي يشبه الحبل السري، العامل الأنثوي الذي يتيح لأوديسيوس الهروب من عالم بوسيدون غائر العمق (مثلما تيسر إيدوثيا عودة مينلاوس إلى الديار).
إن أوديسيوس عاري البدن، مجرد من كل متاع دنيوي، لا حول له ولا قوة، ضعيف، خارج من العنصر الأولي [الماء] الذي فيه أيضا يعيش الجنين. وكما لو أنه كان ميتا على جزيرة كاليبسو، يعود إلى الحياة على سكيريا، جزيرة الفياشيين. وما إن يصل أوديسيوس إلى الشاطئ، بمعاونة ليوكوثيا، وهو يكاد يشارف على الغرق، حتى يختبئ تحت شجيرتين متداخلتين معا بإحكام شديد حتى إن المطر لا يتخللهما مطلقا. ينام أوديسيوس في تجويف يشبهه هوميروس بمجمرة تحفظ شرارة نار، في مشهد يرمز إلى ولادته من جديد. فبعدما احتجز أسيرا لمدة سبع سنين، وهو رقم سحري، يبرز عاريا من البحر، الذي يمثل الموت ومع ذلك تنبثق منه الحياة. أما التجويف الذي يحميه فهو رحم. الكلمة اليونانية المقابلة لكلمة
spark «شرارة نار» هي
sperma ، التي تعني أيضا «بذرة». ومن شأن هذه الرمزية المغرقة إلى هذه الدرجة أن تثير ذهول القارئ المعاصر ، الذي لا يتوقع مثل هذا العمق وبراعة التعبير في عمل أدبي عمره 2800 عام. (7) «أوديسيوس وناوسيكا» (الكتاب 6)، و«أوديسيوس في البلاط الملكي الفياشي» (الكتاب 7)
عندما يولد أوديسيوس من جديد، يبحث «كشاب» عن رفيقة وفي موقف في غاية الحساسية يجد مبتغاه في ناوسيكا (بمعني «فتاة السفن») الفاتنة، ابنة الملك ألكينوس (ويعني «ذو العقل القوي»). لدى معظم الفياشيين أسماء متعلقة «بالسفن» وهم ليسوا بارعين في استخدام القوس والسهم، كما توضح ناوسيكا، ولكنهم بحارة مهرة. نحن متحوطون بشأن الربط بين المعلومات الجغرافية في «الأوديسة» وبين المعلومات الجغرافية الحقيقية، ولكن في القرن الخامس قبل الميلاد، اعتبر المؤرخ ثوسيديديس أن سكيريا، وهو الاسم الذي يطلقه الفياشيون على جزيرتهم، هي جزيرة كورسيرا (جزيرة كورفو المعاصرة) التي تقع إلى الشمال من جزيرة إيثاكا قبالة ساحل شمال غرب اليونان، والتي تعد موضع الانطلاق الطبيعي للبحارة الذين يرتحلون غربا إلى إيطاليا. تاريخيا كانت كورسيرا في الحقيقة بمثابة نزل في منتصف الطريق بين شبه الجزيرة الإيطالية المقفرة والخطرة إلى جهة الغرب وبين بر اليونان الرئيسي. كان الوصول إلى إيثاكا من كورسيرا يعني أن البحار قد رجع إلى الديار أخيرا. وقد أعاد هوميروس ببراعة صياغة حقيقة تاريخية (أن إيثاكا تعني العودة إلى اليونان) في صورة حكاية شعبية لرجل رجع بعد سنوات عديدة، وفي صورة أسطورة حياة بعد القيامة من الموت. فشل الأثريون في العثور على مستوطنة ميسينية على جزيرة إيثاكا؛ لأن القصة أحدث كثيرا من العصر البرونزي، وهي في هذا الشكل تعبر عن الملاحة البحرية في أواخر العصر الحديدي.
في واحد من أفضل مشاهده يسجل هوميروس تواضع وشجاعة ناوسيكا اليافعة والقلق الجنسي الطبيعي في لقائها مع رجل أكبر سنا وذي خبرة عريضة. بإيعاز من أثينا في حلم، قدمت ناوسيكا، التي كانت تستعد للزفاف، إلى شاطئ البحر مع رفيقاتها لتغسلن ثيابهن (رغم أنها أميرة!)؛ فلا أحد يود أن يلبس ثيابا متسخة في عرس. ومثلما صارت الأوصاف السابقة لزيوس، وأثينا ، وبوسيدون أساسية في الفن الإغريقي، يصوغ هوميروس في هذا الموضع الصورة الشهيرة لأرتميس التي نعرفها جميعا. ففي تصوير يستهوي الرسامين والنحاتين لاحقا وشائع في أغنيات العذراوات التي تتغنى ببلوغ صبية صغيرة سن الرشد، يشبه هوميروس ناوسيكا وسط وصيفاتها بإلهة:
بل مثلما تجول أرتميس رامية السهام فوق الجبال على طول سلسلتي جبال تايجتوس أو إريمانثوس الشاهقتين، مبتهجة وهي تطارد الخنازير البرية والغزلان السريعة، وحوريات الأشجار، يشاركنها بنات زيوس الذي يحمل درع الأيجيس، التسلية، وليتو [أم أرتميس] منشرحة الصدر؛ وعاليا فوقهن جميعا ترفع أرتميس رأسها وحاجبيها وبسهولة يمكن تمييزها، رغم أن كلهن جميلات؛ كذا وسط وصيفاتها تألقت الفتاة التي لم تتزوج بعد. (الأوديسة، 6، 102-108)
كلمة
nymphê
Bog aan la aqoon