لقد نجت قلة من نماذج فعلية لمثل تلك الأوعية الفينيقية. وتعد تلك الهدايا الثمينة ذات أهمية اقتصادية عظيمة في المجتمع الهوميري؛ فقد أنشأت الهدية علاقات خانيا
xenia «حسن الضيافة»، كتلك التي كانت قائمة بين جلاوكوس وديوميديس في «الإلياذة». وعلى خانيا اليونانية بنيت الشبكة الدولية التي استطاع عبرها رجال من أصول اجتماعية رفيعة أن يتنقلوا دون أن يتعرضوا لأذى.
في تلك الأثناء على جزيرة إيثاكا، يتآمر الخطاب لقتل تليماك عند عودته. إن هؤلاء الرجال ليسوا سيئي الخلق وشهوانيين وطامعين وحمقى فحسب، وإنما قتلة أيضا. نأتي بإيجاز على ذكر جزيرة إيثاكا قبل أن نتحول إلى هروب أوديسيوس من محبسه الغامض بين أعالي البحار عند نقطة التحول الأولى في الحبكة. (6) «أوديسيوس وكاليبسو» (الكتاب 5)
نعود إلى نفس المجلس السماوي حيث بدأت القصيدة، وفي ظاهر الأمر أن الأحداث اللاحقة تقع في نفس وقت ما جرى في السابق، وذلك وفقا لعرف السرد الملحمي الذي يقضي بعرض أحداث متزامنة. تشتكي أثينا مجددا إلى زيوس بشأن محبوبها أوديسيوس، مثلما فعلت في الكتاب الأول، وبعد إلحاحها على تليماك من أجل اتخاذ إجراء حيال الأمر، ها هي الآن تقوم بالشيء نفسه مع أبيه. وفي الوقت الذي ذهبت فيه أثينا إلى إيثاكا متخفية في هيئة مينتيس، يبعث زيوس هيرميس إلى جزيرة كاليبسو بأوامر بتحرير أوديسيوس.
لماذا هيرميس؟ في «الإلياذة» يقتاد هيرميس عربة بريام خلال ظلمة الليل، عبر النهر، مرورا بالحراس حسب النمط الأسطوري المسمى
katabasis
أو الهبوط إلى العالم السفلي. ليس لأثينا (المشغولة على جزيرة إيثاكا على أي حال) أدنى صلة بالعالم الآخر. فأوديسيوس عالق في «سرة (مركز) البحر»، حيث يتلاقى هذا العالم مع العالم التالي. وفي الأزمنة الكلاسيكية القديمة كشف الإله أبولو ذو القدرات الشامانية عن معرفة سرية في منطقة دلفي، التي يطلق عليها «السرة».
إن «الأوديسة»، على مستوى الحبكة السطحية، هي قصة رجل عاد للديار بينما كانت زوجته على وشك الزواج، ولكن على مستوى الأسطورة، أو البنية الداخلية، فملحمة «الأوديسة» هي قصة الرجل العائد من الموت. في الأسطورة، الماء هو العنصر الأصلي الذي نشأ منه العالم، قبل أن يوجد أي شيء. وبوسيدون، إله الماء، هو عدو أوديسيوس. أما من الناحية الرمزية، فإن أوديسيوس على جزيرة كاليبسو «المخفية»، هو أوديسيوس الذي على أرض الموتى، وهي استعارة قد يكون هوميروس هو الذي ابتكرها. الموت هو «المخفي» العظيم (اسم «هاديس» يعني «الذي لا يرى/الخفي»)، وفي اللغة اليونانية الفعل
kaluptô «يواري» يمكن أن يعني ببساطة أن «تدفن» جثة. تريد كاليبسو «الموارية» أن تمنع أوديسيوس عن زوجته وابنه وبيته. والحياة الأبدية التي عرضتها على أوديسيوس، إن كان سيبقى، هي بمثابة موت أبدي للرجل الذي يحب التجربة ويحب بيته. فهو يتوق إلى أن يولد من جديد وأن يحيا مجددا.
تصب كاليبسو جام غضبها على الضوابط التي تبعد الرجال الفانين عن أحضان إلهات مثلها. عندما تعلم أوديسيوس أن في مقدوره الذهاب، يتشكك في أن ثمة خدعة. إن كاليبسو هي الأنثى التي تحمل مشاعر مزدوجة في الحكاية الشعبية؛ فهي تساعد البطل وتحبه، ولكنها تريد أن تعوقه، لتلحق به الضرر، على حد سواء.
Bog aan la aqoon