والحزن، كلما تذكرتك وتذكرت المكافحين المقدسين.
آه! عبثا تبتسم لي السماء والأرض ابتسامة الحب السعيد،
عبثا تبسم عيون الإخوة المتطلعة إلي.
لكني مع ذلك لا أنساك! إني أنتظر وأرجو أن يأتي اليوم
الذي يتحول فيه الخجل والحزن إلى فعل يسعد الفؤاد.
كان هلدرلين إذن يشارك أصدقاءه وأبناء جيله حماسهم لمبادئ الثورة الفرنسية وسخطهم على المهانة والطغيان في بلادهم، وشوقهم إلى حكم جمهوري حر يخلصهم من المستبدين. ولكنه لم يكن من أنصار العنف والشغب وتحطيم النوافذ والأبواب والتماثيل .. كانوا جمهوريين بالجسد والحياة، وكان جمهوريا بالعقل والحقيقة .. صحيح أن حياته الأولى في مدينة توبنجن الحالمة الصغيرة لم تخل من تصرفات تنم عن النزق والطيش وقد تصل إلى حد المغامرة .. غير أن هذه الميول المتهورة بدأت تنطوي إلى الباطن شيئا فشيئا وتصبح جزءا من حلم أسطوري كبير يؤرق صاحبه بالحسرة والشوق إلى عالم الآلهة والأبطال والقديسين الخالدين. وبدأ الإحساس بهذا العالم والتنبؤ به والبكاء عليه يستولي على قلبه، وينأى به عن المشاغبين والمتظاهرين المؤمنين بالتحرك والفعل؛ مما جعله يقول في قصيدته الشهيرة «إلى الألمان» (1799م) إنه من أولئك الأغنياء في الفكر، الفقراء في الفعل ...
وهو في هذه القصيدة يعبر عن موجة من موجات الثورة الباطنة التي اندفعت به إلى شاطئ النضج والتحرر والطهر. إنه يناجي فيها «الروح الخلاق» و«العقل المربي» هذا الروح الخلاق المربي هو في الحقيقة روح الوطن الذي يدعوه أن يتجلى لأبنائه التائهين. وهو روح هادئ ساكن لا يكاد يظهر للشاعر حتى يخرس أشد أوتاره خفوتا. وهو يختلف عن ذلك «الجديد» المقبل بالصخب والعنف على أيدي الشباب المتحمس، الجديد الذي يحطم الآلات القديمة ويخنق العزف والغناء. إن الروح الخلاق سيظهر لأبنائه فتسكت الأوتار، وتستحيل الهمسات صمتا وصلاة، ويذوب النغم الهامس في فرحة الروح ... اقرأ معي بعض مقطوعات هذه القصيدة الهامة التي تبدأ بهذه الأبيات المشهورة:
لا تهزءوا أبدا بالطفل الذي تصور له السذاجة،
وهو فوق الحصان الخشبي أنه رائع وعظيم،
آه أيها الطيبون! نحن كذلك؛
Bog aan la aqoon