Hilyat Muhadara
حلية المحاضرة
٨٥٢ أخبرني محمد بن عمران قال: أخبرنا [محمد بن الحسن] ابن دريد قال حدثني عمي الحسين بن دريد عن أبيه عن ابن الكلبي قال: حدثني رجل من أهل خراسان قال: "لما أصيبت عين ثابت قطنة العتكي يوم سمرقند، قال بيتًا يهجو فيه نفسه [بسيط]:
ما يعرف الناس منه غير قطنته ... وما سواها من الأنساب مجهول
ثم استودع هذا البيت قاضي سمرقند، وقال عسى أن يرميني به شاعر فأكون [قد سبقته، ورأوا بعد ذلك رجلًا من بني حنيفة يقال له حاجب الفيل، فركب مهرًا له [فسقط عنه] فتشاغل أهله به عن ثابت قطنة [فأبطأ عليه عشاؤه، فقال] [بسيط]:
أتاركون عشائي لا أبا لكم ... إن خر عن مهره حاجب الإبل
خطب يسير علينا فلق حاجبه ... وشجة سيروها [بالملاء قتيل]
فلما أصبح حاجب الفيل أنشدوه هذين البيتين فقال [بسيط]:
ما يعرف الناس منه غير قطنته ... وما سواه من الأنساب مجهول
فقال ثابت قطنة [بسيط]:
هيهات ذلك بيت قد سبقت به ... فاطلب له ثانيًا يا حاجب الفيل
٨٥٣ قال أبو علي: ومما يبعد في نفسي اتفاق مثله، حتى لا يقع فيه تباين، ولا تغاير، ما أخبرنا به أبو عمر عن ثعلب عن الأثرم عن أبي عبيدة قال: "خرج جرير والفرزدق مرتدفين على ناقة إلى هشام بن عبد الملك. فنزل جرير يبول، فجعلت الناقة تتلفت، فرضبها الفرزدق وقال [وافر]:
علام تلتفتين وأنت تحتي ... وخير الناس كلهم أمامي
متى تردى الرصافة تستريحي ... من التهجير والدبر الدوام
فقال: الآن يجيء جرير فأنشده هذين البيتين، فيرد علي ويقول:
تلفت أنها تحت ابن قين ... إلى الكيرين والفأس الكهام
متى ترد الرصافة تخز فيها ... كخزيك في المواسم كل عام
قال الراوي أبو عبيدة: فجاء جرير، والفرزدق يضحك، فقال: ما يضحكك يا أبا فراس؟ فأنشده [الفرزدق] البيتين الأولين، فقال جرير "تلفت أنها تحت ابن قين" وأنشده البيتين بعينهما كما قال الفرزدق سواء، فقال الفرزدق: والله لقد قلت هذا، فقال [جرير]: أما علمت أن شيطاننا واحد؟ ".
٨٥٤ أخبرنا علي بن الحسين [عن] ابن أبي غسان قال: أخبرنا أبو الفضل بن الحباب عن ابن سلام قال: أخبرنا حاجب بن يزيد بن شيبان بن علقمة بن زرارة قال: قال جرير بالكوفة [طويل]:
لقد قادني من حب ماوية الهوى ... وما كنت ألقى للجنيبة أقودا
أحب ثرى نجد وبالغور حاجة ... فغار الهوى يا عبد قيس وأنجدا
أقول له يا عبد قيس صبابة ... بأي ترى مستوقد النار أوقد
فقال: أراها أرثت بوقودها ... بحيث استفاض القمع شيحا وغرقدا
فأعجبت الناس وتناشدوها.
٨٥٥ قال ابن سلام: "فحدثني جابر بن جندل قال: فقال جرير أعجبتكم هذه الأبيات؟ قالوا: نعم، قال: كأنكم بابن القينقد قال [طويل]:
أعد نظرًا يا ابن قيس فإنما ... أضاءت لك النار الحمار المقيدا
فلم يلبثوا أن جاءهم الفرزدق بهذا البيت، وبعده:
كليبية لم يجعل الله وجهها ... كريمًا ولم تزجر لها الطير أسعدا
فأنشدها الناس، فقال الفرزدق كأنكم بابن المراغة قد قال:
وما عبت من نار أضاء وقودها ... فراسًا وبسطام بن قيس مقيدًا
فإذا هو قد جاء لجرير وقفها هذا البيت، ومعه:
وأوقدت بالسيدان نارًا ذليلة ... فأشهدت من سوءات جعثن مشهدًا
٨٥٦ وما يبعد في نفسي صحة مثله ما أخبرنا به أبو عمر عن ثعلب عن ابن الأعرابي عن المفضل قال: مر راكب بالبصرة، فرأى الفرزدق، فقال [له الفرزدق]: من أين وجهك؟ قال: من اليمامة، فقال: هل لك عهد بابن المراغة؟ قال [الراكب]: عم فقال: فهل أحدث شعرًا علقت منه شيئًا؟ قال: نعم، قال [الفرزدق]: فهات منه شيئًا، فأنشده [كامل]:
هاج الهوى بفؤادك المهتاج
فقال الفرزدق:
فانظر بتوضح باكر الأحداج
قال [الراكب] فقلت:
هذا هو شغف الفؤاد مبرح
فقال الفرزدق:
ونوى تقاذف غير ذات خلاج
قال: ثم قال:
ليت الغراب غداة ينعب دائبًا
فقال الفرزدق:
كان الغراب مقطع الأوداج
1 / 96