Hilyat Muhadara
حلية المحاضرة
ألا قاتل الله النوى كيف ... أصبحت ألح عليها يا بثين صريرها
٨٨٦- ومن هذا الباب قول عنترة العبسي [وافر]:
وخيل قد دلفت لها بخيل ... عليها الأسد تهتصر اهتصارًا
فقال عمرو بن معدي كرب [وافر]:
وخيل قد دلفت لها بخيل ... تحية بينهم ضرب وجميع
وقالت الخنساء [وافر]:
وخيل قد دلفت لها بخيل ... فدارت بين كبشيها رحاها
وقال أعرابي [وافر]:
وخيل قد دلفت لها بخيل ... ترى فرسانها مثل الأسود
فلو اجتهد هؤلاء عند قصدهم الأخبار بما أخبروا به من هذا الوصف، أن يوردوه بغير هذه العبارة، وفي هذه العروض، ما استطاعوا، لأن اللفظ يضطرهم، واعتماد العبارة الشريفة يقود أعنتهم، فرب معان تختص بألفاظ شريفة لا يمكن تعديها إلى ما هو أشرف منها.
٨٨٧- ومن هذا الضرب قول عمرو بن كلثوم [وافر]:
تركنا الخيل عاكفة عليه ... مقلدة أعنتها المنونا
فقال عنترة [وافر]:
تركنا الخيل عاكفة عليه ... كما تردى إلى العرس البواني
فقال أعشى باهلة [وافر]:
تركنا الطير عاكفة عليه ... .............على الدوار
فقال العديل بن الفرخ [وافر]:
تركنا تركنا الطير عاكفة عليه ... و............تمتع تعيق
........ الأخدعا........ ... ....... يعود.........
٨٨٨- قال أبو علي [أجمع] علماء الشعر، ونقاد الكلام، وأرباب الصناعة أن [من أخذ] معنى، أو لفظًا، أو جمعًا لهما، وقع الحكم على أن المبتدع [منهما] أعلاهما سنًا، وأقدمهما موتًا، وأن المتبع هو المتأخر منهما، لاستقرار ذلك في الأكثر، فإن جمعهما عصر، ألحق بأولاهما بالإحسان، وأشدها تناسبًا في الكلام، فإن وقع إشكال في ذلك ترك لهما، ولم يقض لأحدهما بالاختراع دون صاحبه، فأما الحكم في الاحتذاء والاتباع، فإن المحتذي إذا تناول المعنى فكشف قناعه، وأصفى شربه، وطوى سربه وأرهف لفظه، وأحسن العبارة عنه، واختار الوزن الرشيق له، حتى يكون بالأسماع أشد علقًا، وفي النفوس ألطف مسلكًا، كان أحق به، ولا سيما إذا أخفى مسراه وأسر مجراه، فإن اتفق له نقله من مذهب ذهبه شاعره إلى آخر، أو عكسه إن كان تشبيهًا، أو تتميمه إن كان ناقصًا، [لحق به] تظهر القدرة، وينطق بالفضل لسان لصناعة، ويقع الحكم للشاعر بالبلاغ والإبانة، وعلى أن للسابق للمعاني والمفترع عذر الألفاظ فضيلته التي لا يدفع عنها، ومزيتها التي لابد من الاعتراف له بها، إذ كان معلم معالمها، وقادح زنادها، ومطلع كواكبها في آفاقها.
وسأورد من أمثلة ذلك ما تفتقر إليه المذاكرة وينتسب إلى قاعدة كتابي هذا، بحول الله وقوته.
٨٨٩-قال أبو دؤاد يصف فرسًا [هزج]:
يزين البيت مربوطًا ... ويشفى قرم الركب
فأخذه عدي بن زيد فقال وأحسن [رمل]:
مستخفين بلا أزوادهم ... ثقة بالمهر من غير عدم
قوله "من غير عدم" زيادة لطيفة.
٨٩٠- ومن هذا الباب قول وثيمة بن موسى المضري [طويل]:
يبصبص للأضياف كلبي تألفًا ... وإن رام نبحًا لم يعش في بني مضر
فأخذه حسان، فأحسن وتقدم عليه فقال [كامل]:
يغشون حتى ما تهر كلابهم ... لا يسألون عن السواد المقبل
٨٩١- وقال بشر [بن حجام العبسي]:
إذا ... في فرك معالها ... رعابيل يخضبن التراب من الدم
فأخذه كثير فأحسن في قوله:
يدعن ... يطأن فيه ... كباقي النصل من أثر الخضاب
٨٩٢- وقال الأعشى [متقارب]:
تراقب من أيمن الجانبي ... ن بالكف مستحصدًا قد مرن
فأخذه بعض المتقدمين فقال وأحسن [طويل]:
فتقسم طرف العين شطرًا أمامها ... وشطرًا تراه خيفة السوط أزورا
٨٩٣- وقال النابغة الذبياني [كامل]:
سقط النصيف ولم ترد إسقاطه ... فتناولته واتقتنا باليد
وهذا أول من افترع هذا المعنى، فأخذه أبو حية النميري فأحسن كل الإحسان [طويل]:
فألقت قناعًا دونه الشمس واتقت ... بأحسن موصولين كف ومعصم
٨٩٤- وقال طرفة وهو أول من نطق بهذا المعنى [طويل]:
وعجزاء دقت بالجناح كأنها ... مع الصبح شيخ في بجاد مقنع
فأخذه النابغة فأحسن فقال يصف النسور [طويل]:
تراهن خلف القوم خزرًا عيونها ... جلوس الشيوخ في ثياب المرانب
1 / 101