Xigmadda Galbeedka Qeybta Koowaad
حكمة الغرب (الجزء الأول): عرض تاريخي للفلسفة الغربية في إطارها الاجتماعي والسياسي
Noocyada
وفيما يتعلق بالإدراك الحسي، فقد استحدث ببراعة المبدأ البيولوجي القائل إن الإحساس يتوقف على الأضداد، فالإبصار مثلا هو سقوط النور على ضده، وهو الظلام، والإحساسات الشديدة الكثافة تسبب ألما وضيقا، وتلك آراء ما زالت شائعة في علم وظائف الأعضاء.
وهكذا فإن أناكساجوراس قد أتى في نواح معينة بنظرية أدق من نظرية سابقه، وهناك على الأقل تلميحات إلى أنه حاول بعناء أن يهتدي إلى مفهوم للمكان الخالي، ولكن على الرغم من أنه يبدو أحيانا كما لو كان يريد أن يجعل من «النوس» قوة فاعلة غير مادية، فإنه لا ينجح في ذلك كل النجاح. وعلى ذلك فإن النقد الأساسي الذي وجهه بارمنيدس لم يجد لديه، كما لم يجد لدى أنبادقليس، إجابة عنه. ومع ذلك فإن اقتراحه القائل بقابلية التقسيم إلى ما لا نهاية يمثل تقدما جديدا في تفسير طريقة تكوين العالم. وتبقى بعد ذلك خطوة الاعتراف بأن قابلية التقسيم تنتمي إلى المكان، وبذلك يهيأ المسرح لظهور المذهب الذري.
وإنه لمن الخطأ أن يتصور المرء أن أناكساجوراس كان ملحدا، ومع ذلك فإن تصوره للإله كان فلسفيا، ولا يتمشى مع ديانة الدولة في أثينا، وقد كانت آراؤه التي لا تساير الدين الشائع هي التي جلبت عليه تهمة الضلال؛ ذلك لأن الإله كان عنده معادلا «للنوس»، أي المبدأ الفعال الذي هو أصل كل حركة، ومثل هذا الرأي كان خليقا بأن ينظر إليه شزرا من جانب السلطة الحاكمة؛ إذ إنه يثير بالطبع شكوكا حول جدوى الممارسات الشعائرية السائدة، ومن ثم فإنه يمس سلطة الدولة ...
إننا على الأرجح لن نعرف أبدا السبب الذي من أجله طرد فيثاغورس ومدرسته من مدينة كروتون
Croton
في عام 510ق.م، ومع ذلك فليس من العسير أن ندرك الجوانب التي يمكن أن تكون المدرسة قد خاضت فيها نزاعا مع المواطنين الصالحين؛ ذلك لأننا ينبغي أن نتذكر أن فيثاغورس انغمس بالفعل في السياسة، كما كانت عادة الفلاسفة اليونانيين، والواقع أنه على الرغم من أن الفلاسفة يعاملون بعدم اكتراث متسامح من جانب بقية البشر، فإن ما يلفت النظر حقا أنهم عندما يدلون برأي نقدي ينجحون في تعكير المياه الآسنة للسياسة الاحترافية، فلا شيء يثير حنق الحاكمين أكثر من الإشارة إلى أنهم قد لا يكونون حكماء بقدر ما يتصورون، ولا شك في أن أسبابا من هذا النوع هي التي جعلت أهل كروتون يحرقون المدرسة الفيثاغورية. غير أن حرق المدارس، أو حتى الرجال أنفسهم، قد أثبت على الدوام أنه وسيلة عاجزة للقضاء على الرأي المتمرد؛ ذلك لأن الكارثة التي لحقت بالمدرسة الأصلية قد أدت إلى نشر آرائها على نحو أوسع من أي وقت مضى، وذلك بفضل جهود أولئك الذين ظلوا على قيد الحياة من أعضاء المدرسة، والذين عادوا شرقا إلى اليونان.
ولقد رأينا من قبل أن مؤسس المدرسة كان في البدء من أتباع فيثاغورس، ولكن النظرية الفيثاغورية في العدد قدر لها أن تتلقى ضربة مدمرة بعد وقت قليل على يد الفيلسوف الإيلي زينون
Zeno ؛ لذلك فإن من الواجب أن ندرك ما تنطوي عليه هذه النظرية.
لقد نظر الفيثاغوريون إلى الأعداد على أنها تتألف من وحدات، وكان ينظر إلى الوحدات التي تمثلها نقاط على أنها ذات أبعاد مكانية، وتبعا لهذا الرأي تكون النقطة وحدة ذات موقع، أي لها أبعاد من نوع ما، أيا كانت. هذه النظرية في العدد صالحة تماما للتعامل مع الأعداد الجذرية؛ فمن الممكن دائما أن نختار للتعبير عن الوحدة عددا جذريا، بحيث يكون أي عدد من الأعداد الجذرية عبارة عن حاصل ضرب للوحدة يمثل عددا صحيحا، ولكن هذا الرأي يواجه مأزقا عندما تصادفنا أعداد صماء (غير جذرية)؛ لأن هذه لا يمكن أن تقاس على هذا النحو. ومن الجدير بالملاحظة أن الكلمة اليونانية التي نترجمها بكلمة «صماء» كانت تعني «غير قابل للقياس»، لا «مفتقرا إلى العقل»،
4
Bog aan la aqoon