Xigmadda Galbeedka Qeybta Koowaad
حكمة الغرب (الجزء الأول): عرض تاريخي للفلسفة الغربية في إطارها الاجتماعي والسياسي
Noocyada
ولقد كانت أهم الموضوعات التي تشغل أناكساجوراس الموضوعات العلمية والبحث في الكونيات. ولدينا على الأقل دليل واحد على أنه كان ملاحظا دقيقا؛ ففي 468-467ق.م. سقطت كتلة كبيرة من صخور الشهب في نهر إيجوس
Aigospotamos ، وكانت هذه الواقعة من الأسباب التي جعلته يقول إن النجوم تتكون من صخور ساخنة متوقدة.
وعلى الرغم من أنه كان لأناكساجوراس أصدقاء من ذوي النفوذ في أثينا، فقد أثار غضب الأثنيين المحافظين ضيقي الأفق؛ ذلك لأن الفكر المستقل غير الشعبي هو عمل محفوف بالمخاطر، حتى في أفضل العصور، وعندما يتصادم مع المتحيزات التي يؤمن بها أولئك الذين يتخيلون أنهم خير العارفين، فمن الممكن أن يصبح خطرا حقيقيا على كل من يخرج عن الخط المألوف، ومما زاد الطين بلة أن أناكساجوراس كان في شبابه متعاطفا مع الفرس، والواقع أن هذا نمط يبدو أنه لم يطرأ عليه تغير كبير طوال الأعوام الألفين والخمسمائة الأخيرة، وعلى أية حال فقد حوكم أناكساجوراس بتهمتي الضلال والانحياز للفرس، ولسنا موقنين بنوع العقوبة التي كان من الممكن أن توقع عليه، أو بالطريقة التي أفلت بها من هذه العقوبة، ولكن من الجائز أن صديقه بريكليز قد انتزعه من السجن وهرب به بعيدا.
وقد انتقل فيما بعد ليعيش في لامبساكوس
Lampsacus ، حيث واصل الاشتغال بالتدريس حتى وفاته. ومن حسن الحظ أن مواطني هذه المدينة قد نظروا إلى الأعمال التي كان يمارسها نظرة أكثر استنارة، ولا بد أن أناكساجوراس كان الفيلسوف الوحيد في التاريخ الذي كانت المدارس تعطل في الاحتفال بالذكرى السنوية لوفاته. وقد عرض أناكساجوراس تعاليمه في كتاب بقيت لنا شذرات منه في مصادر أخرى، ولقد ذكر سقراط الذي حوكم بدوره فيما بعد بتهمة الضلال، ذكر لقضاته أن الآراء غير المألوفة التي اتهم باعتناقها إنما هي في الواقع آراء أناكساجوراس، الذي كان من الممكن لأي شخص شراء كتابه مقابل «دراخما» واحدة.
ولقد كانت نظرية أناكساجوراس، شأنها شأن نظرية أنبادقليس من قبل، محاولة جديدة للتصدي للنقد الذي وجهه بارمنيدس، ولكن بينما نظر أنبا دقليس إلى كل طرف من أطراف زوجي الأضداد الحار والبارد، والجاف والرطب، على أنه مادة أساسية؛ نجد أناكساجوراس يعتقد على العكس من ذلك أن كلا من هذه متضمن بنسبة متفاوتة في كل قطعة ضئيلة من المادة، مهما صغر حجمها، ولكي يثبت قضيته هذه قال بفكرة قابلية المادة للانقسام إلى ما لا نهاية؛ ذلك لأن مجرد تجزؤ الأشياء إلى قطع أصغر لا يؤدي في رأيه إلى ظهور شيء مختلف؛ إذ إن بارمنيدس قد أثبت أن ما هو كائن لا يمكن بأي حال ألا يكون، أو أن يصبح ما لا يكون، والواقع أن الافتراض القائل إن المادة قابلة للانقسام إلى ما لا نهاية هو افتراض طريف، وكانت هذه أول مرة يظهر فيها، أما كون هذا الافتراض خطأ فهو أمر لا يهمنا في هذا السياق، والأمر الذي يبرزه هذا الافتراض هو فكرة قابلية الانقسام إلى ما لا نهاية، التي تنطبق بالفعل على المكان، وهكذا يبدو أن لدينا ها هنا نقطة بدء أمكن انطلاقا منها تطوير فكرة المكان الفارغ عند الذريين فيما بعد. وأيا كان الأمر فإننا لو سلمنا بهذا الافتراض لظل نقد أناكساجوراس لأنبادقليس صحيحا إلى هذا الحد.
أما الاختلافات بين الأشياء فترجع إلى تغلب أحد الضدين على الآخر، وهكذا استطاع أناكساجوراس أن يقول إن الثلج هو بقدر ما أسود، وإن كان الأبيض هو الذي يسود. وهذه فكرة تبدو فيها لمسة هرقليطية؛ فالأضداد تتلاقي، ويمكن أن يتحول أي شيء إلى أي شيء آخر، وفي ذلك يقول أناكساجوراس: «إن الأشياء الموجودة في العالم لا تنقسم ولا يقتطع بعضها من بعض بضربة فأس» كما يقول: «في كل شيء يوجد قدر من كل شيء، إلا العقل
Nous ، بل إن هناك أشياء يوجد فيها العقل بدوره».
هذا «النوس» أو العقل الذي يذكره ها هنا هو المبدأ الفعال الذي يحل محل المحبة والنزاع عند أنبادقليس، ولكنه يظل ينظر إليه على أنه مادة، وإن تكن مادة شديدة الرقة والشفافية، ويختلف «النوس» عن المواد الأخرى في كونه نقيا غير مختلط، وهو الذي يبعث الحركة في الأشياء. وفضلا عن ذلك فإن وجود «النوس» هو ما يميز الحي من غير الحي.
أما بالنسبة إلى أصل هذا العالم، فإنه يعرض رأيا يشبه في نواح معينة الأفكار التي أصبحت تطرح حول هذا الموضوع في وقت أحدث بكثير؛ فالنوس يطلق حركة دوامة في مكان ما، وحين تكتسب هذه الحركة مزيدا من القوة، تنفصل الأشياء المختلفة تبعا لمقدار كتلتها، بحيث إن القطع الثقيلة من الصخور، التي يقذفها دوران الأرض، تبتعد أكثر من غيرها. ونظرا لأنها تتحرك بسرعة كبيرة، فإنها تبدأ في التوهج، وهذا يفسر طبيعة النجوم، ولقد كان أنكساجوراس، شأنه شأن الأيونيين، يؤمن بوجود عوالم كثيرة.
Bog aan la aqoon