الكتب يا منظمة الأونسكو موجودة إذا كنت تطبعين، فدور النشر طبعت وتطبع ما تستطيع، ولكن الكتب الأدبية لا يقرؤها غير الأدباء والمتأدبين، وقلما يستطيع أديب شراء كتاب. وإذا بيع كتاب استعاره العشرات من الناس. وهكذا تنام الكتب في مستودعاتها لا تحلم بغير مداعبة الفئران ومغازلة الجرذان.
أرأيت كيف استحال بلد الأبجدية بلد موزو وتوميغان؟!! النافذون من الأمة لا ينشدون غير جذعانها أصحاب الزنانير العريضة، والسراويل القرقية. أولئك هم الذين يكتبون المدائح بالنبوت، ويخطبون بالبندقية، ويحيون بالمسدس، فتظهر (الشعبية) ويبلغ الأرب الرخيص.
بقرة وعنزة
تأدبوا يا قضاة الأرض. هكذا صاح النبي داود في المزمور الثاني. والحكم ملح الأرض، هكذا جاء في المثل. فمتى كانت لنا ضمائر حية عدلنا واطمأنت قلوبنا واستراحت نفوسنا القلقة، ولهذا خلقت الموازين والسجلات.
إن في أعماق شخصيتنا يستقر ذلك الشيء الذي تواضع الناس على تسميته ضميرا أو وجدانا، وهذا الضمير يقوى ويشتد إذا ظل الإنسان يدفع نفسه في طريقه إلى التسامي. الضمير تخلقه فينا تربيتنا الأولى، ولكننا إذا أهملناه وتركنا محاسبة أنفسنا وتصاممنا عن سماع صوته، مات رويدا رويدا وقضينا حياتنا في سكرة لا نستفيق منها إلا في السكرة الكبرى، سكرة الموت.
إذا أراد واحد منا أن يمتدح رجلا ويثني على استقامته قال: فلان صاحب ضمير، وفلان ضميره حي، كأنهم يعتبرون الطماع غير العادل ميت الضمير.
قد راقبت الحيوانات الداجنة فوجدت في تصرفات بعضها، أثرا للضمير أو الوجدان. فالكلب أو الهر إذا أخذ خلسة ما لا يحق له أخذه، بدا عليه القلق والاضطراب حين يراه صاحبه متلبسا بالجريمة.
وما الإقرار بالجنايات الكبرى إلا من عمل الضمير، ولولا ذلك لا يعترف مجرم بما جنت يداه. وما العدالة البشرية إلا بنت الضمير، تلك الجرثومة التي تجعل من الإنسان ملاكا بشريا، ومتى نمت فيه جعلته فوق البشر.
كان مكتوبا على تاج كسرى أنوشروان أربع آيات عرفت بآيات التاج، والآية الأمامية هي هذه: العدل يدوم وإن دام عمر، والآية الورائية: الظلم لا يدوم وإن دام دمر. فحسب الملك العادل أنه لا يحتاج إلى جنود تحميه وينام ملء عينيه.
ومن حكايات الفرس أن ملكهم أنوشروان ذهب ذات يوم في رحلة يصطاد، ولما حان وقت غدائه افتقدوا الملح فلم يجدوه، فأمر أحد غلمانه أن يذهب إلى قرية قريبة ويجيء بالملح، ثم أوصاه أن يشتريه بحقه، ولا يأخذه مجانا؛ لئلا يحيق الخراب بالقرية.
Bog aan la aqoon