صفيف شواء أو قدير معجل
إن الناس اليوم في حاجة إلى ما هو أسرح من ذاك القدير المعجل إلى صندويش يسندون به قلبهم، لا إلى طعام يد ويدين يقعدون له. وكذلك قارئ هذا العصر، فإنه محتاج إلى ما يرفه عنه ولا يتعب دماغه وأعصابه. إن أدمغة الناس أصبحت في أصابعهم، وستصبح العقول آلية متى رخص الدماغ الإلكتروني، وصار في استطاعة كل واحد أن يقتني دماغا كما يقتني قلم الحبر - الستيلو أو المداد - كما شاء بعضهم أن يسميه.
إن التفكير العميق مهدد بالاندثار كما كادت أن تندثر النياق والخيال والبغال، ولذلك رأيت أن أفتح دكان صندويش أزود بها عابري السبيل، ويا لهف قلب الأدب من القراء المستعجلين. فلا يستغربن القارئ، إذن، هذا العنوان الجديد. فهو مستعجل لا ينتظر حتى نطبخ، فلا يكاد يقول: هات. حتى نجيب: خذ، فينتش ويكدم.
أظن أن المرحومة ستي كانت أبرع من علماء اللغة في انتقاء الأسماء الجميلة. أما سمت الصندويش عروسا. أليس بين الصندويش والعروس شبه رائع. كلاهما ممشوق القامة، لذ المقبل. ناهيك أن اسم العروس حلو الوقع في جميع النفوس ولا أحاشي نفوس الشيوخ مثلي.
وبعد، فأي صندويش نقدمه اليوم؟ إن السياسة طاغية على تفكيرنا في هذه الأيام، وإصلاح الوطن وجهة الجميع، وكل يدعي وصلا بليلى. فالمثاليون منا ملتهبون غيرة على إصلاح الوطن حتى تعجز الإطفائية عن إخماد نار حميتهم ... لست أنكر أن فينا من هم من هذا الطراز العالي، أما الأكثرون فتنطبق عليهم هذه الحكاية.
ضاقت الدنيا بأحدهم فالتجأ إلى الدير لينخرط في سلك الرهبانية.
وبعد ألف يا ويلاه، اجتاز أزمنة التجربة الحادة التي يمر بها المبتدئ. وأخيرا هونها الله وجاءت ساعة التكريس. ركع الطالب على درجة الهيكل أمام قدس الأب العام، فطرح عليه هذا السؤال التقليدي: ما غايتك من لبس هذا الأسكيم - قلنسوة الراهب - يا أخي؟
فأجابه الأخ بعين بلقاء: راحة جسمي وكبر بطني.
فمات الرهبان الحاضرون من الضحك، ولكن الأب عبس في وجوههم، فعادت الضحكات أدراجها، وقال المحترم للأخ: ما هكذا يجاوبون يا أخي. قل: حبا بمريم العذراء وخلاص نفسي.
ونحن إذا عرضنا هذا السؤال على موظفي الدولة، فكم واحدا يجيبنا بغير ما يشبه جواب ذاك الراهب الهارب من الفقر الذي لم يتعرف عليه الروح القدس، ولا مر بباب صومعته؟
Bog aan la aqoon