Nolosha Bariga
حياة الشرق: دوله وشعوبه وماضيه وحاضره
Noocyada
بعض أسباب انحلال الدولة العثمانية
بداية عهد عبد الحميد
وقد آن لنا أن نبحث في الأسباب التي أدت إلى انحلال الدولة العثمانية في عهد السلطان عبد الحميد الذي هو آخر الخلفاء العثمانيين. وإننا مع احترامنا للسلطان رشاد الذي حدثت الحرب العظمى في عهده أو السلطان وحيد الدين أو عبد المجيد أو غيرهما لا نعرف غير عبد الحميد خليفة، لأنه كان الملك المطلق المستبد الذي حكم الدولة أكثر من خمسة وثلاثين عاما بفكره وإرادته محكما عقله ومنفذا سياسته في السلم والحرب. وفي عهده حدثت أعظم حوادث التاريخ العثماني في دوره الأخير، أما بعد عزله في سنة 1909 فقد بدأ للأتراك عهد جديد هو عهد الدستور والبرلمان وسيادة الأحزاب، وقد دام هذا العهد إلى سنة 1914 عندما أعلنت الحرب، وفي فترة الحرب تغير العالم ومنه تركيا.
فكان سلاطين آل عثمان الذين جاءوا بعد عبد الحميد أشباحا وخيالات إلى أن محا مصطفى كمال آية الخلافة وأسس جمهورية أنقرة.
ولد عبد الحميد في سنة 1842، وتولى عرش الخلافة في سنة 1876 وهو في الرابعة والثلاثين من عمره، وخلع في أبريل سنة 1909، فكان حكمه ثلاثا وثلاثين سنة. وقد حدثت في عهده حوادث ذات شأن عظيم في تاريخ الشرق والغرب، فقد شهد في شبابه وقبل تولي الملك ثورة الهند (1857) والحرب الأهلية الأمريكية والحرب النمسوية الألمانية وحرب السبعين وفتح قنال السويس وحكم ديزرائيلي، وعندما تولى بدأت الحوادث بفتنة بلغاريا وحرب الصرب وعهد الدستور الأول، الذي دعا إليه مدحت باشا، وحروب روسيا وتسليم بلڤنا وموقعة شنوڤا التي أسر فيها ستون ألف جندي ومعاهدة سان استفانو وضياع قبرص واستقلال بلغاريا والرومللي الشرقية وثورة عرابي وضياع تونس وضياع مصر وحروب السودان وظهور المهدي وحوادث كريت وأرمنيا وحروب اليونان ونهضة اليابان وهزيمة الترك في فتنة اليمن وحرب البوير ثم الثورة الاتحادية فالدستور فالثورة الرجعية فالعزل والنفي إلى سالونيك، حيث شهد ضياع طرابلس وحروب البلقان والحرب الكبرى وهو أسير.
وإنها في الحق لصحيفة ملآنة بالحوادث التي لا تزال آثارها في العالم إلى الآن وقد مضى على زوال ملكه أكثر من عشرين عاما.
فلنبحثن إذن في الأسباب التي أدت إلى ضياع هذا الملك وانسلاخ أجزاء الدولة العثمانية الجزء بعد الجزء في مدى ثلاثين أو أربعين عاما، مع أنها اقتضت لتأسيسها أربعمائة عام فكأنها هدمت في عشر الزمن الذي تأسست فيه.
فما هو هذا الداء الذي أزمن وتأصل وفشا في عروق دولة الإسلام واستفحل؟ وما هي تلك العلة التي انبسطت في بدنها وسرت في دمها وامتدت في شرايينها وتشعبت في أعصابها وصارت لا يرجى لها برء ولا علاج حتى أخذوا يمثلون تركيا بالرجل المريض؟!
ولقد زعم البعض أن الدولة العثمانية قد هرمت وشاخت وخارت قواها وانحلت عزائمها كالدولة الرومانية في أواخر أيامها، وترى أنصار هذا الرأي قد كانوا استسلموا للقنوط ويئسوا من رحمة الله وحياة دولتهم وأخذوا ينهبون الأموال ليدخروها وقاية لهم وأهليهم من الفاقة بعد انحلال الدولة، ومن هؤلاء أحد الباشوات بلغ العزة كلها في عهد عبد الحميد ولكنه كان للدرهم والدينار عابدا، فلما دق ناقوس الدولة فر على باخرة أجنبية إلى مصر ونقل معه أمواله أو أنها سبقته إلى ضفاف النيل، فاشترى القصور والضياع وعاش أمدا ممتعا ثم قضى كالكلب المدلل في فراش من حرير على سرير من ذهب وشيعته النفوس باللعنات! وغير هذا الوغد الذي كان يحمل على ظاهر يده من الوشم آثار تاريخ حياته الأولى في وديان سورية وبلدانها كثيرون من الباشوات والأمراء والشيوخ قد انتظروا النهاية ليفوزوا بالأسلاب، وقد نهبوا فعلا أموال المسلمين فكانت الدولة العثمانية في نظرهم بمثابة بيت أصابه الحريق فانثال حوله الشطار من كل حدب لنهب ما احتواه من أثاث ومتاع والسعيد من اختطف شيئا قبل أن تلتهمه النيران كأهل بومبي لدى خرابها، وقد فر هؤلاء بعد أن أفرغوا وسعهم في الاغتيال وساعدوا على تعجيل ساعة الاضمحلال.
تعليل سقوط الدولة العثمانية
Bog aan la aqoon