إن أمي ولدت نفسي، ونفسي هي ولدتني، فلا ترج أن تصيب في طباع أنثى وإلا ضل ضلالك أيها الحبيب ...
هي «رجل وامرأة كأنما كانا ذرتين متجاورتين في طينة الخلق الأزلية وخرجتا من يد الله معا، هي بروعتها ودلالها وسحرها، وهو بأحزانه وقوته وفلسفته ...
كانا في الحب جزءين من تاريخ واحد، نشر منه ما نشر، وطوى منه ما طواه، على أنها كانت له فيما أرى كملك الوحي للأنبياء، ورأى في وجهها من النور والصفاء ما جعلها بين عينيه وبين فلك المعاني السامية كمرآة المرصد السماوي، فكل ما في رسائله من البيان والإشراق هو نفسها، وكل ما فيها من ظلمات الحزن هو نفسه.»
1 •••
ولم تكن «هي»
2
أولى حبائبه ولكنها آخر من أحب، عرفها وقد تخطى الشباب وخلف وراءه أربعين سنة ونيفا حافلة بأيام الهناءة، مشرقة بذكريات الهوى والصبابة والأحلام، وكان بينهما في السن عمر غلام يخطو إلى الشباب.
3
سعى إلى مجلسها يوم «الثلاثاء» سعي الخلي إلى اللهو والغزل، يلتمس في مجلسها مادة الشعر، وجلاء الخاطر، وصقال النفس، ومجلسها في كل «ثلاثاء» هو ندوة الأدب ومجمع الشعراء، وجلس إليها ساعة، وتحدث إليها، وتحدثت إليه، وكان كل شيء منها ومما حولها يتحدث في نفسه، ولمسه الحب لمسة ساحر جعلت في لسانه حديثا ولعينيه حديثا، وطال انفرادها به عن ضيوفها، فما تركته إلا لتعتذر إليهم فتعود إليه ... ثم قامت تودعه إلى الباب وهي تقول: «متى تكون الزيارة الثانية؟» فنهى النفس عن الهوى ونسأ الأجل إلى غد ...!
ووقع من نفسها كما وقعت من نفسه، فما افترقا من بعدها إلا على ميعاد، ومحت صورتها من ماضيه كل ما كان في أيامه وكل من عرف، لتملأ هي نفسه بروعتها ودلالها وسحرها، وانتزعها هو من أيامها فما بقي لها من أصحابها وصواحبها غير مصيف
Bog aan la aqoon