وعلى مثال هذا الحب كم كانت له حبيبات وكم أنجبن من ثمرات، وإنه ليخيل إلي أن الرافعي كان كلما أحس حاجة إلى الحب راح يفتش عن «واحدة» يقول لها: تعالي نتحاب؛ لأن في نفسي شعرا أريد أن أنظمه، أو رسالة في الحب أريد أن أكتبها ...! ولقد سمعته مرة يقولها لإحداهن ... وسمعت إحداهن مرة تقول له: متى أراني في مجلسك مرة لتكتب عني رسالة في «ورقة ورد»؟
على أن الرافعي كان له إحساس عجيب في مجالس النساء! وكان لهن عليه سلطان وله عليهن سحر وفتنة، وهو في هذه المجالس فكه مداعب رائق النكتة لا تملك السيدة الرزان في مجلسه إلا أن تخرج عن وقارها، وكانت هذه أداته في استمالتهن حين يلتمس الوحي أو يجد الحاجة إلى أن يقرأ شعرا في عين ساحرة، فإذا استوى له ما أراد عاد إلى مكتبه لينشئ وينظم وتنتهي قصة حب.
وكان يسمي كل جميلة «شاعرة»؛ لأنها تمنحه الشعر، و«الشواعر» عنده طبقات، على مقدار ما يبعثن فيه من الشاعرية، ويرهفن من إحساسه، ففلانة شاعرة كالمتنبي وهذه كالبحتري، وتلك بنت الرومي، ورابعة بشار بن برد، وخامسة عبد الله عفيفي أو شاعر الرعاع ...
وحين يجلس في الشرفة من قهوة «لمنوس» بطنطا وتمر به الجميلات في رياضتهن أو في حاجتهن، تسمع ثبتا حافلا بأسماء الشعراء يبدأ من مهلهل بن ربيعة وينتهي بفلان الذي يؤمل أن يكون أمير الشعراء بعد أن يموت كل الشعراء ...!
هذه لمحات أذكرها على غير صلتها بالموضوع؛ لأنها تشير إلى بعض عناصره، على أنني - وقد بلغت هذا القدر من الحديث - لم أبدأ القول بعد عن حب الرافعي الذي أنشأت هذا الفصل للحديث عنه.
إنها حادثة وقعت في تاريخ الرافعي وسنه ثلاث وأربعون سنة فأنشأته خلقا جديدا، كانت دعابة من مثل ما قدمت فأوشكت أن تكون علة، فلما اختار الله له أنقذه بكبريائه من دائه، ولكنه خلف في قلبه جرحا يدمى، ولكنها كانت بركة في الأدب وثروة في العربية.
من تكون هذه الشاعرة التي غلبته على إرادته فغلبها بكبريائه؟ ما شأنها، وما خبرها؟ ...
هو وهي
لقد وضعك حسنك في طريقي موضع البدر، يرى ويحب ولا تناله يد ولا تعلق بنوره ظلمة نفس، ولكن كبرياءك نصبتك نصبة الجبل الشامخ، كأنه ما خلق ذلك الخلق المنتثر الوعر إلا لتدق به قلوب المصعدين فيه ... كوني من شئت أو ما شئت، خلقا مما يكبر في صدرك ومما يكبر في صدري، كوني ثلاثا من النساء كما قلت أو ثلاثة من الملائكة، ولكن لا تكوني ثلاثة آلام. انفحي نفح العطر الذي يلمس بالروح، واظهري مظهر الضوء الذي يلمس بالعين، ولكن دعيني في جوك وفي نورك. اصعدي إلى سمائك العالية، ولكن ألبسيني قبل ذلك جناحين. كوني ما أرادت نفسك، ولكن أشعري نفسك هذه أني إنسان ...!
هو
Bog aan la aqoon