200

1

إلى قوله تعالى:

يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم * يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون .

يقف كثير من المؤرخين، أمام هذه الآيات من سورة التوبة ختام ما نزل من القرآن، يسائلون أنفسهم: هل أمر محمد - عليه السلام - في شأن أهل الكتاب بغير ما أمر به من قبل أثناء سني رسالته؟ ويذهب بعض المستشرقين إلى القول بأن هذه الآيات تضع أهل الكتاب والمشركين فيما يشبه المساواة؛ وأن محمدا، وقد ظفر بالوثنية في شبه الجزيرة بعد أن استعان عليها باليهودية والمسيحية، معلنا خلال أعوام رسالته الأولى أنه إنما جاء مبشرا بدين عيسى وموسى وإبراهيم والرسل الذين خلوا من قبل، قد جعل وجهته إلى اليهود الذين بدءوه بالعداوة، وظل بهم حتى أجلاهم عن شبه الجزيرة، وأثناء ذلك كان يتودد إلى النصارى وتنزل عليه الآيات تشيد بحسن إيمانهم وجميل مودتهم، وينزل عليه قوله تعالى:

لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون .

2

وها هو ذا الآن يجعل وجهته إلى النصرانية يريد بها ما أراد باليهودية من قبل، فيجعل شأن النصارى كشأن الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر؛ وهو يصل إلى ذلك بعد أن أجار النصارى من اتبعه من المسلمين حين ذهبوا على الحبشة يستظلون بعدل نجاشيها، وبعد أن كتب محمد لأهل نجران وغيرهم من النصارى يقرهم على دينهم وعلى القيام برسوم عبادتهم. ويذهب أولئك المستشرقون إلى أن هذا التناقض في خطة محمد هو الذي أدى إلى استحكام العداوة بين المسلمين والنصارى من بعد، وأنه هو الذي جعل التقريب بين أتباع عيسى وأتباع محمد غير ميسور إن لم يكن في حكم المستحيل.

والأخذ بظاهر هذه الحجة قد يغري الذين يستمعون إليها إلى أنها تصف جانبا من الحق، إن لم تغرهم بتصديقها، فأما تتبع التاريخ والتدقيق في أحوال نزول الآيات وأسباب نزولها، فلا يدع محلا للريب ألبتة في وحدة موقف الإسلام وموقف محمد من الأديان الكتابية منذ بدء رسالته إلى ختامها. فالمسيح ابن مريم روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم. والمسيح ابن مريم عبد الله آتاه الكتاب وجعله نبيا وجعله مباركا وأوصاه بالصلاة والزكاة ما دام حيا؛ ذلك ما نزل به القرآن منذ بدء الرسالة إلى ختامها.

والله أحد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد؛ ذلك روح الإسلام وأساسه منذ اللحظة الأولى، وذلك روح الإسلام ما دام العالم. ولقد ذهب وفد من نصارى نجران إلى النبي يجادلونه في الله، وفي بنوة عيسى لله من قبل أن تنزل سورة التوبة بزمن طويل، ويسألون محمدا: إن عيسى أمه مريم فمن أبوه؟ وفي ذلك نزل قوله تعالى:

إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون * الحق من ربك فلا تكن من الممترين * فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكاذبين * إن هذا لهو القصص الحق وما من إله إلا الله وإن الله لهو العزيز الحكيم * فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين * قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون .

Bog aan la aqoon