مَا الْحَسَد الَّذِي يعترى الْفَاضِل لِأَن من يكون فَاضلا لَا يكون حسدًا. وسنتكلم على الْحَسَد مَا هُوَ لتعرف مائيته فَيعرف قبحه وَيُوضَع فِي مَوْضِعه وَلَا يخلط بِغَيْرِهِ فَنَقُول: إِن الْحَسَد هُوَ غم يلْحق الْإِنْسَان بِسَبَب خير نَالَ مُسْتَحقّه ثمَّ يتبع هَذَا الانفعال الرىء أَفعَال أخر رَدِيئَة فَمِنْهَا أَن يتَمَنَّى زَوَال ذَلِك الْخَيْر عَن الْمُسْتَحق وَيتبع هَذَا التمنى أَن يسْعَى فِيهِ بضروب الْفساد فيتأدى إِلَى شرور كَثِيرَة. فَمن عرض لَهُ عَارض الْحَسَد الَّذِي حددناه فَهُوَ شرير والشرير لَا يكون فَاضلا. وَلَكِن لما كَانَ هَذَا الْغم قد يعرض الْإِنْسَان على وُجُوه أخر غير مذمومة غلط فِيهِ النَّاس فَسَموهُ باسم الْحَسَد وَمِثَال ذَلِك أَن الْفَاضِل قد يغتم بِالْخَيرِ إِذا ناله غير مُسْتَحقّه لِأَنَّهُ يُؤثر أَن تقع الْأَشْيَاء مواقعها وَلِأَن الْخَيْر إِذا حصل عِنْد الشرير اسْتَعْملهُ فِي الشَّرّ إِن كَانَ مِمَّا يسْتَعْمل أَو لم ينْتَفع بِهِ بتة. وَرُبمَا اغتنم الْفَاضِل لنَفسِهِ إِذا لم يصب من الْخَيْر مَا أَصَابَهُ غَيره إِذا كَانَ مُسْتَحقّا مثله. وَإِنَّمَا لما اسْم هَذَا حسدًا لِأَن غمه لم يكن بِالْخَيرِ الَّذِي أصَاب غَيره بل لِأَنَّهُ حرم مثله. وَإِذا آثر لنَفسِهِ مَا يجده لغيره لم يكن قبيحًا بل يجب لكل أحد إِذا رأى خيرا عِنْد غَيره أَن يتمناه أَيْضا لنَفسِهِ لِأَن هَذَا الْغم لَا يتبعهُ أَن يتَمَنَّى زَوَال الْخَيْر عَن مُسْتَحقّه. وَقد فرقت الْعَرَب هذَيْن: فسموا أَحدهمَا حَاسِدًا وَالْآخر غابطًا. وَنحن نؤدب أَوْلَادنَا بِأَن ندلهم على الأدباء ونندبهم على فضائلهم فَإِن ذَا الطَّبْع الْجيد مِنْهُم يتَمَنَّى لنَفسِهِ مثل حَال الْفَاضِل ويسلك سَبيله ويجتهد فِي
1 / 101