والعدم وأشباهها من الْمسَائِل فَقَالَ قوم: هِيَ جَوَاهِر لَا أجسام لَهَا وَقَالَ قوم: هِيَ أَعْرَاض وَقَالَ آخَرُونَ: لَيست أجسامًا وَلَا جَوَاهِر وَلَا أعراضًا. وَاحْتج كل قوم بحجج قَوِيَّة. إِلَّا أَن جَمِيع هَذِه الْمذَاهب تحررت فِي زمَان الْحَكِيم وَاسْتقر قَرَارهَا ووضح مشكلها وَبَان صحيحها من سقيمها. وَلَيْسَ من شَأْننَا الإطالة فِي هَذِه الْمسَائِل فنذكرها ونحكيها. فَإِن أَحْبَبْت مَعْرفَتهَا فقف عَلَيْهَا من مظانها وجرد لَهَا مسَائِل لنفرد لَهَا زَمَانا ونظرًا إِن شَاءَ الله. وَأما سؤالك فِي آخر هَذِه الْمَسْأَلَة: بِمَ يُحِيط على الْخلق من الْمشَار إِلَيْهِ بقولنَا الله باخْتلَاف الإشارات والعبارات مَعَ سَائِر مَا ذكرت فَغير معترف بِشَيْء مِنْهُ وَلَا يَقُول أحد إِنَّه يُحِيط علمه بِشَيْء من هَذَا وَلَا يلصق بِهِ كَمَا ذكرت وَلَا يعْتَرف أَيْضا بِهَذِهِ النعوت فِيهِ. وَالْكَلَام فِي هَذَا الْمَوْضُوع لَا يُمكن استقصاؤه إِذْ كَانَ جَمِيع سعى الْحُكَمَاء بالفلسفة إِنَّمَا ينتهى إِلَى هَذَا وإياه قصد بِالنّظرِ كُله وَلَيْسَ يُمكن أَن يتَكَلَّم فِيهِ إِلَّا بعد جَمِيع الْمُقدمَات الَّتِي قدمت لَهُ ومهدت لأَجله أعنى الرياضيات والطبيعيات ثمَّ مَا بعد الطبيعة من علم النَّفس وَالْعقل ثمَّ بعد معرفَة جَمِيع هَذِه الْجَوَاهِر الشَّرِيفَة يُمكن أَن يعلم أَنَّهَا محتاجة نَاقِصَة متكثرة مضطرة إِلَى سَبَب أولى وموجد قديم ومبدع لَيْسَ كهي فِي ذَات وَلَا صفة فَيكون هَذَا الْجَهْل أشرف من كل علم سبقه وَهُوَ من الصعوبة والغموض بِحَيْثُ ترَاهُ. وَلَو كَانَ إِلَى معرفَة هَذَا الْموضع طَرِيق غير مَا ذَكرْنَاهُ لسلكه القدماء وَأهل الْحِرْص على إِشَاعَة الْحِكْمَة وإذاعتها،
1 / 88