فَأَما التَّعَجُّب نَفسه الَّذِي سَأَلَ عَنهُ السَّائِل فِي عرض مَسْأَلته الأولى فَإِنَّهُ حيرة تعرض الْإِنْسَان عِنْد جهل السَّبَب فَكلما كَانَت الْمعرفَة بِأَسْبَاب الموجودات أقل كَانَت المجهولات أَكثر والتعجب بحسبها أَشد وبالضد إِذا كَانَت الْمعرفَة بِأَسْبَاب الموجودات أَكثر كَانَت المجهولات أقل والتعجب بحسبها أقل وَلذَلِك قَالَ قوم: كل شَيْء عجب. وَقَالَ قوم: لَا عجب من شَيْء. فَإِن كَانَت الطَّائِفَة الأولى اعْتَرَفُوا بِالْجَهْلِ الْعَام وَزَعَمُوا أَنهم يجهلون أَسبَاب الْأُمُور فالطائفة الثَّانِيَة ادَّعَت لنَفسهَا مزية عَظِيمَة لأَنهم زَعَمُوا أَنهم يعْرفُونَ أَسبَاب الْأُمُور. فَأَما قَوْلك - أعزّك الله - عِنْدَمَا عددت أَقْوَال الْمُتَكَلِّمين فِي التَّعَجُّب - مَا هَذَا التَّفَاوُت والتباين وَلَيْسَ فِي الْحق اخْتِلَاف وَلَا فِي الْبَاطِل ائتلاف فَالْجَوَاب: أَن التَّعَجُّب لَيْسَ بِشَيْء لَهُ طبيعة وَلَا وجود لَهُ من خَارج وَإِنَّمَا هُوَ كَمَا ذكرنَا النَّفس عِنْد جهلها السَّبَب وَلما كَانَ مَا يجهله زيد قد يُعلمهُ عَمْرو وَلم يُنكر تفاوتهما فِي الْعجب لِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا متعجب مِمَّا يجهل سَببه ومجهول هَذَا هُوَ بِعَيْنِه مَعْلُوم هَذَا. وَإِنَّمَا كَانَت تكون الْمَسْأَلَة عويصة وبديعة لَو كَانَ لأمر مَا وجود من خَارج ثمَّ اخْتلف فِيهِ قوم فضلاء يعْتد بآرائهم وَيذكر تباينهم وَقَالَ قوم مِنْهُم: هُوَ حق وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ بَاطِل. على أَن مثل هَذَا قد وَقع فِي مَسْأَلَة الْخلاف وَفِي الزَّمَان وَالْمَكَان،
1 / 87