الْمَوْجُودَة فِي النَّاس وَلَيْسَ يَخْلُو مِنْهَا الْبشر وَلكنهَا فيهم بِالْأَكْثَرِ والأقل فمجاهدة الْعُقَلَاء لَهَا مُخْتَلفَة والجهال هم المسترسلون فِيهَا غير الْمُجَاهدين لَهَا. وَإِخْرَاج السِّرّ من جملَة هَذِه الشَّهَوَات وَهُوَ مُتَعَلق بالإخبار والإعطاء إِذا كَانَ لحفظ السِّرّ هَذَا الْموقع من المجاهدة للنَّفس لِأَنَّهَا تحرص فِي إِظْهَاره على أَمر ذاتي لَهَا وَإِنَّمَا يقمعها الْعقل ويمنعها - فأخلق بِهِ أَن يكون صعبًا شَدِيدا جَارِيا مجْرى غَيره من شهوات النَّفس الَّتِي يَقع الْجِهَاد فِيهَا. وَرُبمَا وجدت إِحْدَى هَاتين القوتين فِي بعض النَّاس أقوى وَالْأُخْرَى أَضْعَف فَإِن من النَّاس من يحرص على الحَدِيث وَمِنْهُم من يحرص على الِاسْتِمَاع وَمِنْهُم الضنين بِالْعلمِ وَمِنْهُم السَّمْح بِهِ وَمِنْهُم الْحَرِيص على التَّعَلُّم والاستفادة وَمِنْهُم الكسلان عَنهُ وعَلى هَذَا يُوجد بَعضهم أحرص وَكَانَ لنا صديق صَاحب السُّلْطَان قريب الْمنزلَة مِنْهُ فَكَانَ يَقُول لصَاحبه: إِذا كَانَ لَك سر تحب كِتْمَانه وَتكره إذاعته فَلَا تطلعني عَلَيْهِ وَلَا تجعلني مَوْضِعه وَلَا تبلني بحفظه فَإِنَّهُ أجد لَهُ فِي صَدْرِي وخزًا كوخز الأشافي ونخس الأسنة. وسمعته يَقُول: اطَّلَعت على سر للوزير فَجعل لي على كِتْمَانه وطية مَالا وألطافًا حملت إِلَيّ فِي الْوَقْت فعزمت على الْوَفَاء لَهُ وَحدثت نَفسِي بِهِ ووطنتها عَلَيْهِ فَبت بليلة السَّلِيم وأصبحت وقيذًا فَلم أجد حِيلَة لما أجد من الكرب غير أَنِّي ذهبت إِلَى نَاحيَة من الدَّار خَالِيَة فِيهَا دولاب خراب فنحين من كَانَ حَولي ثمَّ قلت: أَيهَا الدولاب من الْأَمر والقصة
1 / 44