وروي عن مالك أنه سئل عن الألحان في الصلاة، فقال: لا يعجبني، وقال: إنما هو غناء يتغنون به ليأخذوا عليه الدراهم، وروي عن القاسم بن محمد أن رجلا قرأ في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فطرب، فأنكر ذلك القاسم وقال: يقول الله عز وجل: {وإنه لكتاب عزيز لا ياتيه الباطل منم بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد} [فصلت:41/42].
<1/19> قالوا: وكانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم -وهو المبين عن الله عز وجل- لم يكن فيها تطريب ولا ترجيح وإنما كانت مدا، وأما ما احتج به المخالف من قوله عليه السلام: "زينوا القرآن بأصواتكم" فقالوا: إنه ليس على ظاهره، وإنما هو من باب القلب، أي زينوا بالقرآن أصواتكم، قال الخطابي: وهكذا فسره غير واحد من أئمة الحديث إلى آخره. وذكروا أنه وردت رواية أخرى عن البراء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "زينوا أصواتكم بالقرآن" أي الهجوا بقراءته واشغلوا به أصواتكم، واتخذوه شعارا وزينة، وقيل: معناه الحض على قراءة القرآن والذب عنه، وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: (حسنوا أصواتكم بالقرآن) قال: بعضهم وإلى هذا المعنى يرجع قوله عليه السلام: "ليس منا من لم يتغن بالقرآن" أي ليس منا من لم يحسن صوته بالقرآن. كذلك قاله عبد الله بن يزيد وابن أبي مليكة، إلى آخره.
وقيل: إن معنى (يتغنى به) يستغني به من الاستغناء الذي هو ضد الافتقار من الغنا، يقال: تغنيت وتغانيت بمعنى استغنيت، وأغناه الله عز وجل، قال الجوهري: "تغنى الرجل بمعنى استغنى، وأغناه الله وتغانوا أي استغنى بعضهم ببعض"، وإلى هذا التأويل ذهب سفيان بن عيينه، ووكيع بن الجراح، ورواه سفيان أيضا عن سعيد ابن أبي وقاص رضي الله عنه.
Bogga 16