للسامع فتعدل من الخطاب إلى الغيبة ومن الغيبة إلى التكلم وبالعكس. كقوله تعالى:
حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم [يونس: 22] وقوله: والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه [فاطر: 9] وقول امرىء القيس:
تطاول ليلك بالأثمد ... ونام الخلي ولم ترقد
وبات وباتت له ليلة ... كليلة ذي العائر الأرمد
وذلك من نباء جاءني ... وخبرته عن أبي الأسود
وقوله: «فيعدل من الخطاب إلى الغيبة» إلى قوله: «وبالعكس» لف وما بعده من الأمثلة نشر على سبيل الترتيب فإن مقتضى الظاهر أن يقال وجرين بكم بالخطاب بدل بهم وأن يقال فساقه بالغيبة بدل فسقناه، لأن المراد بضمير الخطاب في «كنتم» وبالضمير المجرور «في بهم» واحد وكذا بضميري قوله: «أرسل» وقوله: «فسقناه» وهو ظاهر. والأثمد بفتح الهمزة وضم الميم اسم موضع، وأما الإثمد بكسرهما فهو حجر يكتحل به كذا قيل. وقيل: إنهما لغتان بمعنى واحد وهو الموضع ولا ينافي كون الإثمد بكسرتين بمعنى الحجر الذي يكتحل به كونه موضعا آخر، والخلي الخالي من الهم والحزن، والخطاب في قوله: «ليلك ولم ترقد» لنفسه والتفت من الخطاب إلى الغيبة حيث قال: «وبات» والظاهر أن يقول وبت، وقوله: «وباتت له ليلة» من قبيل الإسناد المجازي، والعائر بمعنى العوار وهو القذى الرطب الذي تلفظه العين حين الوجع والأرمد من وجعته عينه يقال رمد بالكسر إذا هاجت عينه.
والمراد تشبيه نفسه في القلق والاضطراب بذي العائر وتشبيه ليلته في الوحشة والطول بليلته، وقوله: «وذلك» أي ما ذكرته من المشاق لأجل نبأ جاءني وخبرت ذلك النبأ عن أبي الأسود الذي هو أبو الشاعر، وذلك النبأ هو خبر قتل أبيه وكنيته أبو الأسود والقصيدة مرثية له. وفي «جاءني» التفات من الغيبة إلى التكلم فالبيت المذكور مشتمل على ثلاثة التفاتات: الأول في ليلك فإنه التفات من التكلم إلى الخطاب إذا القياس ليلي وإن لم يسبق ضمير المتكلم عن نفسه بطريق التكلم به وعدل عنه إلى طريق الخطاب فإن مثله التفات عند السكاكي، والالتفات الثاني من بات فإنه التفات من الخطاب إلى الغيبة إذ القياس وبت على الخطاب، والثالث جاءني فإنه التفات من الغيبة إلى التكلم والقياس جاءه فهو باعتبار الالتفات الثاني نظير قوله تعالى: حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة [يونس: 22] وباعتبار الالتفات الثالث نظير قوله تعالى: الذي أرسل الرياح [فاطر: 9] الآية فظهر أن المصنف إنما أورد البيت باعتبار اشتماله على الالتفات الأول مثالا لقوله وبالعكس، فإنه بحسب مفهومه يتناول الالتفات من التكلم إلى الخطاب كما يتناول الالتفات من التكلم إلى الغيبة ومن الغيبة
Bogga 82