يا سارق الليلة أهل الدار. ومعناه ملك الأمور يوم الذين على طريقة ونادى أصحاب الجنة من قبيل المجاز الحكمي والإسناد المجازي ويذهبون فيه إلى طريق الاتساع في الظرف ولا يقدرون كلمة «في» بل يجعلون الإضافة في جميع ذلك بمعنى اللام ويجعلون اليوم ضاربا والليل ماكرا في ضرب اليوم ومكر الليل ويجعلون الليلة مسروقة في قوله: يا سارق الليلة أهل الدار وكذا يجعلون يوم الدين مملوكا في مالك يوم الدين ويجعلون النهار صائما والليل قائما في صام نهاره وقام ليله. وجعل الإضافة في الأمثلة المذكورة بمعنى «في» إنما هو كلام النحاة وهو كلام صادر عمن يقصر نظره على اعتبار المعاني الأول ويطبق اللفظ عليها وأما المحققون الذين يرون ارتفاع بيان الكلام منوطا برعاية الاعتبارات المناسبة للحال والمقام فإنهم لا يقدرون في مثله كلمة «في» ويجعلون الإضافة بمعنى اللام، فالقول بأن اللام قد تكون بمعنى «في» كلام أهل الظاهر. ولما كانت إضافة اسم الفاعل إلى الظرف في نحو مالك يوم الدين مبنية على الاتساع بإجرائه مجرى المفعول به لم تكن إضافة الاسم إليه من قبيل إضافة الصفة إلى معمولها الذي يشترط في عملها فيه كونها بمعنى الحال والاستقبال حتى تكون إضافتها إلى الظرف المذكور لفظية فلا تتصرف بالإضافة بل هي مضافة إليه غير مقيدة بشيء من الزمان الماضي والحال والاستقبال بل ملحوظة على الإطلاق بحيث يستفاد منها معنى الاستمرار أو مقيدة بالزمان الماضي بتنزيل ما أضيف إليه من الزمان وهو يوم القيامة منزلة الماضي من حيث إنه أمر مختوم محقق الوقوع فكأنه قيد ومضى على طريق قوله تعالى: وسيق الذين [الزمر: 71، 73] وقوله: ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار [الأعراف: 44] وعلى كل واحد من التقديرين لا يكون اسم الفاعل عاملا فلا تكون إضافته إلى معموله لفظية فتكون معنوية مفيدة بتصرف المضاف إليه فلذلك صح وقوعه صفة للمعرفة ولم يتعرض لإضافة ملك مع أنه أرجح القراءتين عنده لعدم الاشتباه في أن إضافته معنوية لأنه من إضافة الصفة المشبهة فلذلك لا تعمل النصب أبدا ألا ترى إلى قولهم في تمثيل الإضافة اللفظية والصفة المشبهة إلى فاعلها فقوله تعالى: مالك يوم الدين مثل رب العالمين على القول بأن رب نعت في أن الإضافة بينهما معنوية وإنما تكون لفظية إذا أضيفت إلى فاعلها كما في حسن الوجه وأهل الدار في قوله: يا سارق الليلة أهل الدار منصوب بسارق لاعتماده على حرف النداء كما في قولك: يا ضاربا زيدا ويا طالعا جبلا.
والسر في كون الاعتماد على حرف النداء مقويا لعمل اسم الفاعل أن حق النداء أن يتعلق بالذات واقتضى بذلك أن يقدر قبله موصوف مثل: يا شخصا ضاربا كأنه اعتمد على صاحبه الذي هو الموصوف ونحو ما يقوي عمله وذلك أن اسم الفاعل مثلا موضوع لذات مبهمة قام بها الحدث الذي هو مأخذ اشتقاقه فلا يقتضي مفهومه بهذه الحيثية لا فاعلا ولا مفعولا
Bogga 74