وما إن بلغوا بيت الشيخ عبد الودود حتى تقدمتهم زوجه إلى مكان زوجها، وهناك التقوا بالرجل ... لم يبق منه إلا ذعر وألم.
وقص عليهم الشيخ عبد الودود ما كان من أمره وأمر اللص في كلمات لا تكاد تكتمل وهي تخرج، وإنما هو يقف في منتصف الكلمات وقد بدا عليه أنه يريد أن يلقي بحمله إلى أي إنسان، ولكنه بعد أن يفرغ من القصة ويضع يده على موضع الحزام يحس بحمله كاملا لم ينقص بل لعله زاد!
ولم يصبر الحاج إبراهيم بعد أن فرغت القصة، بل هو يقوم إلى العمدة يوقظه، ولا تلبث البلدة أن تصبح كلها في يقظة كاملة؛ فجميعهم مشغول ولا شغل، وإنما هم يروون ما سمعوه ويزيدون عليه ما امتد بهم الخيال، ولم يأت وكيل النيابة حتى أصبح المبلغ المسروق من الشيخ عبد الودود سبعة آلاف جنيه، وأصبح الشيخ عبد الودود بلا يد بعد أن قطعها اللص، وبلا عقل بعد أن سلبت النقود عقله، وهي ترحل عنه إلى اللص الذي هاجمه.
وجاء وكيل النيابة ومعه مأمور المركز؛ فقد كان قطع الطريق أمرا تهتز له أركان الأمن، وبدأ وكيل النيابة التحقيق بينما بدأ المأمور مساوماته مع العمدة عما سيقدم للعشاء وللفطور، فإن التحقيق سيطول إلى الصباح.
وانتهى التحقيق بقيد السرقة مع كل الظروف المشددة التي لازمتها، من ظرف الليل إلى استخدام السلاح إلى غير ذلك، كل ذلك قيد ضد مجهول.
وبهذا القيد بدأت في القرية فترة جديدة من الزمان لم ترها في ماضي أيامها، ولم تفكر في يوم ما أنها ستلتقي بها على طريق الحياة.
9
كان الليل قد خيم على القرية، فلا يقطع ظلامه إلا نار تحلق حولها القوم يعدون فيها جذوة الفحم التي لا تصلح الجوزة إلا بها، وقد يعدو على ظلام الليل بصيص من ضوء المصباح يتسلل من شباك إحدى الدور، فيمر بالظلام يكاد الظلام لا يحسه من فرط الضعف الذي يعانيه.
مر كمال بهذا الظلام وبهذه الخيوط المتهافتة من بصيص المصابيح، يعبر كل شيء إلى ظاهر البلدة حيث يربض بيت النمرود، وكان قد انقطع عنه أياما كثيرة فرغ فيها إلى المقروطة يستثمرها، فتدر عليه المال الوفير، حتى إذا استولى الرعب على القرية والقرى المجاورة أحس أنه قد آن له أن يقطع إجرامه بعض الشيء حتى يعود إلى الناس بعض اطمئنانهم، فيعود إليهم هو في غفوة من هذا الاطمئنان، فينال ما تصبو إليه نفسه؛ خطة كان قد رسمها منذ أمد بعيد فهو ينفذها لا يحيد عنها قيد شعرة.
فإنه حين أصاب مبلغ الشيخ عبد الودود لم يكتف به، بل إنه في الليلة التالية مباشرة، هاجم عبد الرحمن أفندي السلامي الرجل الذي ينافس العمدة على المنصب، والذي يملك في القرية عشرين فدانا، والذي لا يحمل في جيبه أقل من مائتي جنيه ويودع البنك مئات أخرى، وقد كان يحمل هذه الجنيهات ليباهي بها الناس كلما اجتمع حوله الناس، فما كان له شيء يباهي به إلا هذه الأموال.
Bog aan la aqoon