وهنا قال الحاج علي: ماذا يا أحمد؟ أتظن أن الحاج إبراهيم يهمه كرمك؟
فقال أحمد: لا والله، فإني أعرف الحاج إبراهيم منذ أنا طفل صغير، ولكن بودي أن يقبل الهدية التي أعددتها له.
فقال الحاج إبراهيم في غضب حاول جهده أن يكبته: أنت يا ولد تحاول رشوتي. - حد الله بيني وبين ذلك يا عم الحاج إبراهيم، وإنما أقدم إليك هدية صداقة وصلح بيننا.
فقال الحاج إبراهيم وغضبه مكبوت ما زال: اسمع يا حاجعلي، لقد ألححت علي أن أحضر إليك وقد جئت حتى لا تغضب، ولكن إن كنت قد جئت بي لأهان في مجلسك، ولأرمى بأنني لص يرشوني مثل هذا الغلام، فاسمح لي أن أقوم.
وقبل أن يجيب الحاج علي سارع أحمد قائلا: لا تغضب يا عم الحاج إبراهيم فإني أنا الذي سأنصرف، ولكن الذي أعرفه أن الهدية تسمى رشوة إذا كان مقدمها يريد أمرا عند من يقدمها إليه، ولكنني لا أريد منك شيئا. - لعلك لا تريد شيئا، ولكنك تريدني أن أغض عيني عنك ولا أرفعهما، وكيف يمكنني أن أرفعهما وقد خفضتهما بهديتك، لا يا بني، أنا رجل كبير وأخلاقي تكونت، ولم يعد في الإمكان تغييرها، لا يا بني لا، أغناني الله عن هداياك. - أمرك يا عم الحاج إبراهيم، أمرك، سلام عليكم.
وقبل أن يخرج أحمد من الباب تدخل إلى الجمع امرأة عرفها الجميع، فتصايحوا بين ترحيب وعجب أن تقصد إليهم زوج الشيخ عبد الودود وما تعودوا أن يروها في غير دارها، وقد اتخذت من الثياب ما تواضعت النسوة على ارتدائه إن هن أزمعن أن يلتقين بالرجال أو يخرجن إلى الطريق، فهم لم يروها إلا في ثيابها السوداء مسدلة عليها حتى أخمص قدميها وقد ألقت على رأسها خمارا، أما الآن فهي تطالعهم وقد ارتدت جلبابا ملونا فاقع الحمرة نبتت فيه ورود خضراء، واتخذت على رأسها منديلا قلق المكان؛ فقد كان وجهها أصغر من أن يسع هذا الذعر الذي ألقي عليه، فامتد هذا الذعر إلى منديلها، بل إلى جلبابها المنتفض. - أدركوني. - خير يا أم إسماعيل؟ - الشيخ عبد الودود. - ما له؟ - لا أدري. - ماذا تعنين؟ - كنت أنتظره فإذا هو يدفع الباب، ثم ينكفئ على وجهه وهو يقول: سرقني، ضربني، المقروطة، الحزام، سبعمائة وخمسة وعشرون جنيها وخمسة وعشرون قرشا والمحفظة وثمانية وعشرون قرشا، سرقني ... فرحت أربته وأحاول أن أهدئ من ثائرته، ولكن الذي تملكه يأبى أن يزول عنه، ثم قال فجأة: اذهبي إلى دكان الحاجعلي واطلبي إلى الحاج علي والشيخ رضوان والحاج إبراهيم أن يأتوا إلي.
فقال الحاج إبراهيم: لا حول ولا قوة إلا بالله، لا حول ولا قوة إلا بالله، هلم يا رجال.
فقال أحمد أبو خليل: هلم.
فقال الحاج إبراهيم: وأنت إلى أين؟ - معكم. - لا إن الرجل لم يطلبك وما أظن الزيارة مناسبة في مثل هذه الحال سنذهب نحن الذين طلبنا. - أمرك.
وخرج القوم من الدكان، وساروا طريقهم بعد أن أقفل الحاج علي أبواب دكانه.
Bog aan la aqoon