سره حقيق بأن يخفيه عنها بقدر ما هو حقيق بأن يخفيه عن وحيد نفسه. إنه يعرف تماما موقفها ومشاعرها، غير أنها قالت بقلق: لا تخف عني شيئا يا عزيز، نحن محوطون بالأعداء، عليك أن تطلعني على كل شيء.
فقال متظاهرا بالمرح: سأنفذ ما اتفقنا عليه، ما عدا ذلك فهو وهم.
فقالت بمزيد من القلق: أي وهم؟! ما أكثر الأوهام القاتلة!
ارتعد لنفاذ بصيرتها المستلهمة من غريزة الأم وحبها وخوفها معا. غمغم متهربا: لا شيء!
فهتفت بحرارة: لا تسلمني للجنون! أمك حزينة أبدية، تحملت ما لم تتحمله زوجة مخلصة. أنت أملها الوحيد، عزاء صبرها وتصبرها، استيقاظها من كابوس طويل، وقد قضي علينا أن نعيش في غشاء من المكر السيئ، ولن يقدم لنا السم إلا في قطعة من الحلوى. لا خوف عليك من العداء السافر، ولكن الخوف واجب من البسمة الحلوة والكلمة العذبة والدواء الشافي وأقنعة الإخلاص التي لا حصر لها.
فتمتم وهو يتلوى في الحصار: لست غرا يا أماه. - ولكنك بريء والبراءة فريسة الأوغاد.
وانزلق إلى أن يقول وهو لا يدري: إنه خارج الموضوع! - رمانة؟! - أجل. - حدثني عن الموضوع. وا حزناه! هل أصبحت غريبة عن قلبي وروحي فلا أعلم شيئا عن أخطر الأمور إلا ما تلقيه إلي المصادفة العمياء؟! - لم أضمر إخفاء شيء عنك، ولكني أعلم بهواجسك؟ - صارحني فإن قلبي يوشك أن يتوقف.
فنهض. راح يتمشى في الحجرة، ثم وقف أمامها وتساءل: ألا يحق لي أن أفكر بنبل؟
فدهمتها أفكار مفزعة وقالت: ما العواقب يا عزيز؟! هذا ما يهم. سبق أن فكر جدك سماحة بنبل وها هو طريد كالمتسول لا يدري أحد عنه شيئا. حدثني عن أفكارك النبيلة يا عزيز!
مضى بنبرة اعترافية يحدثها عما دار في اللقاءات مع العملاء، تابعته بوجه شاحب حتى خضبته في النهاية صفرة الموت.
Bog aan la aqoon