Xaqiiqda Islaamka
حقائق الإسلام وأباطيل خصومه
Noocyada
وأيا كان القرار الذي يسكن إليه المسلم بعد تلاوة هذه الآيات، فمن الصدق لضميره أنه لا بد أن يكون في ذلك القرار عمل للعقيدة الإيمانية، وعمل العقيدة الإيمانية هو أن يعالج شعور القلق بشعور الطمأنينة والثقة، وبخاصة إذا أيقن العقل أن قدرة الله لن تكون إلا على هذه الصفة، وأن حرية الإنسان لن تكون على هذا الوجه، وأن حريته على هذا الوجه لا تناقض إمكان العدل الإلهي متى التمسنا دلائل هذا العدل في آيات الكون كله، ولم نقصرها على حادث في حياة مخلوق يتغير شعوره بآلامه وعواقبها من حين إلى حين. •••
وكثيرا ما تمر بنا في رحلات الغربيين إلى الشرق الإسلامي كلمات منقولة عن التركية والعربية مثل كلمة: «قسمة» وكلمة «مكتوب» وكلمة «مقدر»، يرددونها بالألفاظ محرفة عن ألسنة العامة في البلاد التي يرحلون إليها، ويفهمون منها أن المسلم جبري مستغرق في الجبرية، يستسلم للحوادث ولا يرى أن المحاولة تجديه شيئا في إصلاح شأنه أو تغيير قسمته. ومما لا مراء فيه أن هذه الجبرية مسموعة على أفواه الجهلاء شائعة بينهم في عصور الجمود والاضمحلال، ولكنها إذا نسبت إلى الدين لم يكن لنسبتها إليه سند من الكتاب الكريم، ولا من الحديث الشريف؛ فإن جبرية المسلم العارف لكتابه وسنة نبيه لن تكون كجبرية أحد من الذين آمنوا قديما بالكارما الهندية أو بالطوالع البابلية أو بالقدر الغاشم في الأساطير اليونانية، ولا يستطيع المسلم العارف لكتابه وسنة نبيه أن يدين بجبرية كجبرية المؤمن باصطفاء الله لسلالة من السلالات وخروج سائر السلالات من حظيرة رحمته ونعمته، ولا يستطيع أن يدين بجبرية كجبرية المؤمن بوراثة الخطيئة وقبول الكفارة عنها بعمل غير عمله، وإنما جبرية المسلم على حسب علمه بدينه؛ جبرية ينتهي إليها كل من آمن بقدرة الله وعدله، وآمن بأن الهداية من طريق التكليف أصح وأدنى إلى العدل الإلهي من هداية آلية تتركب في طبائع الناس جميعا، كما تتركب خصائص المادة في طبائع الأجسام. •••
وبعد، فنحن نكتب هذا الفصل عن الإنسان في العصر الذي نريد فيه تعريف محيط الإنسان على التعريفات المحيطة التي اشتهرت من قبل، وأجملناها في أول هذا الفصل لنضيف إليها التعريف المحيط بحقيقة الإنسان في عقيدة الإسلام.
هذا التعريف الجديد الذي زيد في العصر الأخير هو تعريف العلماء النشوئيين القائلين بمذهب التطور أو مذهب النشوء والارتقاء، ومعظمهم يعرفون الإنسان بأنه حيوان راق؛ فيضعون هذا التعريف مقابلا لقول القائلين إن الإنسان روح منكوس أو ملك ساقط من السماء.
ما قول المسلم في هذا المذهب الجديد؟ أتراه يصدقه؟ أتراه يكذبه؟ وهل في نصوص دينه ما يفسر هذا المذهب تفسير الموافقة والقبول؟ وهل في نصوص دينه ما يفسره تفسيرا يوجب عليه رفضه والإعراض عنه؟
نحن لا نحب أن نقحم الكتاب في تفسير المذاهب العلمية والنظريات الطبيعية، كلما ظهر منها مذهب قابل للمناقشة والتعديل أو أظهرت منها نظرية يقول بها أناس ويرفضها آخرون، ومهما يكن من ثبوت النظريات المنسوبة إلى العلم فهو ثبوت إلى حين، لا يلبث أن يتطرق إليه الشك ويتحيفه التعديل والتصحيح، وقريبا رأينا من فضلائنا من يفسر السماوات السبع بالسيارات السبع في المنظومة الشمسية، ثم تبين أن السيارات أكثر من عشر، وأن الصغار منها تعد بالمئات ولا يحصرها الإحصاء؛ فليس من الصواب إذن أن نقحم أصول العقيدة في تفسير أقوال وآراء ليست من الأصول في علومها، ولا يصح أن تتوقف عليها الأصول، وحسب الدين من سلامة المعتقد وموافقته للعقل أنه لا يحول بين صاحبه وبين البحث في العلم وقبول الرأي الذي تأتي به فتوح الكشف والاستنباط، وعلى هذه السنة يرجع المسلم إلى آيات كتابه وأحاديث نبيه فلا يرى فيها مانعا يمنعه أن يدرس التطور، ويسترسل في مباحثه العلمية إلى حيث يلهمه الفكر وتقوده التجربة:
ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم * الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين * ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين * ثم سواه ونفخ فيه من روحه (السجدة: 6-9)،
ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين (المؤمنون: 12).
وإذا اعتقد المسلم أن خلق الإنسان الأول مبدوء من الأرض، وأنه مخلوق من سلالة أرضية، فلا عليه بعد ذلك أن يسفر مذهب التطور عن نتيجته المقررة كيف كانت على الوجه القاطع المتفق عليه، فما يكون في هذه النتيجة نقض لعقيدة المسلم في أصل الإنسان: إنه جسد من الأرض وروح من عند الله، وليس في وسع العالم النشوئي أن يدحض هذه العقيدة برأي قاطع أحق منها بالتصديق والإيمان. •••
يقول نيتشه في إحدى كلماته التي لا ندري أفي جد أم مزاح: إن الإنسان قنطرة بين القرد والسوبرمان.
Bog aan la aqoon