Hallaj
الحسين بن منصور الحلاج: شهيد التصوف الإسلامي (٢٤٤–٣٠٩ﻫ)
Noocyada
ثم ابتدأت تتكون لهذه الطائفة ثقافة إيمانية، لها لونها وطابعها وخصائصها الفنية.
ثقافة تدور حول ذكر الله وإلهاماته، ومجاهدة النفس، وما ينبثق من هذه المجاهدة، من آداب السلوك، ومقامات السير، ويتوج كل هذا الصلة بالله سبحانه، وما يترقرق حول هذه الصلة، من أذواق ولحون، ومواجيد وأشواق، ثم ثمرة هذا كله، وهو المعرفة الباطنية، وما تفيض هذه المعرفة من علوم وأنوار.
ومن ثم بدأت الحياة الروحية، تنفصل عن الحياة العامة، وتستقل بمناهجها ومعارفها، وابتدأ الصوفية يصطنعون، كلمات تحدد أذواقهم، وتعبر عن شعورهم، وأخذ أفق هذه الكلمات يتسع لمعان متعددة، وكانت كل كلمة تضاف إلى التصوف، تفتح أفقا جديدا، وتكون نبعا متدفقا، وتتناولها ألسنة الصوفية، فتفتقها وتبتدع لها صورا وألوانا وأذواقا.
ثم أخذوا يكونون لهم فلسفة في الأخلاق، وفي السلوك، وفي العبادة، وأخذوا يجردون الأسباب من قوتها، ويرجعون كل شيء إلى الله سبحانه، فأكسبهم ذلك عزة خلقية، وسعادة روحية، قوامها الرضا بقضاء الله وقدره، واليقين بأن لا سلطان لقوة من قوى الأرض على مصائرهم وحياتهم، أو كما يقول إبراهيم بن أدهم: «نحن في لذة لو عرفها الملوك لقاتلونا عليها بالسيف.»
كما أفاضت عليهم الثقة بالله والتوكل عليه ، شجاعة نفسية، وقوة إيمانية، لا تسامقها قوة ولا شجاعة، يقول إسحاق بن إبراهيم السرخسي: «سمعت ذا النون المصري، وفي يده الغل، وفي رجليه القيد، وهو يساق إلى المطبق، والناس في بغداد يبكون حوله، وهو يقول: هذا من مواهب الله تعالى، ومن عطاياه، وكل فعله عذب حسن طيب.»
تلك الشجاعة الصوفية الشامخة التي ستبلغ ذروتها في البطل الشهيد الحلاج، حينما صمد للمأساة صمودا لا يطاوله في التاريخ صمود.
هذه خلاصة سريعة للمعارف الصوفية، في القرن الثاني للهجرة، ثم جاء القرن الثالث، فبدأ معه العصر الذهبي للتصوف، أو عصر النضوج العلمي للحياة الروحية.
تطور المعارف الصوفية في القرن الثالث الهجري
وفي مطلع هذا العصر، أخذت معاني الحب الإلهي، الذي سمعنا جرسه لأول مرة في ألحان رابعة العدوية ومواجيدها، أخذت معاني هذا الحب تتسع، وتتلون بها المقامات والأحوال، وأخذت كلمات الأنس والبسط، والرجاء والخوف، واليقين والمشاهدة، تشيع وتؤتي ثمارها، وتدرجت على أجنحة الحب ومعارجه حتى وصلت بالصوفية إلى مقام الفناء، وهو أخطر مقامات التصوف وأبعدها أثرا في تاريخه.
والفناء هو غاية الصوفية، ففيه يشربون رحيق الحب الأعلى، وينعمون فيه بمتع ولذائذ روحية تنسيهم دنياهم وأخراهم ووجودهم، وكل شيء سوى المحبوب.
Bog aan la aqoon