ودع عنك نهبا صيح في حجر ذاته ... «ولكن حديثا ما حديث الرواحل»(8) هذا أميرهم جعلناه زعيم جيوش المسلمين، وقلدناه سد الثغر المنفتح علينا من اليمن، فباع ذلك بغرض من الدنيا يسير، وقدم إليهم خاتمه ذمة في كونه منهم، وذلك أمر ظاهر، وقد أقر به عند من يوثق به، ولما غنم المسلمون غنيمة من أعداء الدين طلبهم بردها بعد رد ما وقع في يديه، وأقبل بهم نحونا يهديهم هدي العروس، «ويطأ بهم ريع الإسلام المأنوس»(1)، فلما طال عليه أمد النفاق في بيت رحال، شمر للغدر عن الأذيال، «وفارق زامرة يا لها من زامرة رافضة للدنيا مقبلة على الآخرة»(2) فحل من الكفر في بحبوحته، وسكن من النكث في صميم أرومته، وكم ذمة خرمها «من صنعاء إلى يومنا هذا من»(3) مأسور قتل بعد الذمة عليه، ومعتق أوثق بعد المنة بإرساله، شهد بذلك من كان في صعدة، من قتل ابن زيدان والقلم في يده؟ وأخذ ابن النجار بعد أمانه والذمة على إرساله، وولد محمد بن فليتة، وما فعل معه، وجعفر بن يحيى، وذمة حمزة بن حسن على زوجه وما ملكه، وأخذه وهو في خيمته، وعلي بن صفي الدين بعد ذمة عز الدين عليه، وأخذ أحمد بن عواض بعد الذمة من علي بن عمر، وما كان في شأن السويدي من أنواع التحليط، ونهبه(4) بيوت لا تحصى بعد الذمة وهي بيوت أهل سمارة كافة(5) فإنها ما أخذت إلا بعد الأمان الظاهر، وتأكيده باطلاع العلم على السطوح، ثم أفعالهم الشنيعة في رؤوس علماء الشيعة وتراجمة الشريعة، وذمتهم على دار الفقيه محمد بن أبي السعادات وأخذها بعد ذلك، والقلم على رأسها، ومن غدرهم الطري ما جرى في دار الشريف المحرزي وإحرق علمهم القسري الزري(1)، وكذلك القليعة ونوال أخذوهما(2) بعد الأمان الأكيد، وكيف يمكنكم تدعون «مثل »(3) ما يدعي من الحق وأنتم على خلاف ما تعلمون من مذهب أبيكم وآبائكم جميعا، بل كيف وأنتم تخوضون في أموال المسلمين ودمائهم بغير دعوة ولا كتاب ولا سنة، وبين أيديكم من فعل المنكرات ما لا يمكن دفعه، بل كيف وتائبكم إذا وقف يتوب إلينا ويقر بقبح ما هو عليه وصحة مذهبنا، وهل تاب أحد منا إلى ما أنتم عليه عند مماته، أو جادل على صحة ما هو عليه في حياته؟ فهم كما قال الله تعالى في أهل الكتاب: {وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا}[النساء:159] وأوضح(4) مذاهبهم في هذا قولهم: «نفسد عليه ونكدر عيشه»(5) كما كدر عيشنا، فهذا وجه بين ومذهب معقول دون غيره، ونحن في دنيا مشوبة بالتكدير، وطريق مقرون بالتغيير، لا نبالي فيها بتكدير عيش ما أطعنا الرحمن وسلمت الأديان {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين}[يوسف:108] إنما تجزون على النعمة أهلها، ويتبرم بمفارقة اللذات من اعتادها، وكم عسى أن يكون نعيمها وهو إلى زوال، وراحتها وهي إلى تغير وانتقال، إنما المكدر للذاتها من حمل أهلها على مفارقة عاداتها «من شرب(1) القهوات، وإذهاب الأوقات في غير الطاعات، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، وثقل الخطى إلى الجماعات، وإشباع الوضوء في السبغات، وهو لا يزل شجا في حلوقهم، وقذا في عيونهم، ما مد الله مدته، وبسط بسطته، فليموتوا بغيضهم كظما، وليستبدلوا بوجود ملكهم عدما»(2) وعن قريب يظهر الحق على(3) الباطل، ويتميز المستقيم عن المائل {وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا}[الإسراء:81]، كم بين من قرناءه «الصالحين المهتدين»(4) وبين خلطاءه المردة المفسدين، وبين من ناصره رب العالمين، ومن يعتمد في نصرته على الكفرة الجاحدين، والباطنية الملحدين، وبين من عيون أنضاره العلماء، ومن عيون أصحابه المترفين(5) {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا}[النور:55] {الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور}[الحج:41]، وإن صال العدو صولة لا عن دولة، فكثيرا ما صغرته سيوف وتركته خاسئا، وما كان أولا فمثله يكون ثانيا {لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد، متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد، لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نزلا من عند الله وما عند الله خير للأبرار}[آل عمران:196،197،198].
ومن عجائب ما ألفوه، وخالب ما زخرفوه أن قالوا بأنا(1) منعنا عن بلادنا وخلينا عن طريقنا بلادنا(2).
[حكم الاستعانة بالكافر على المسلم]
فاستعنا بالكفار على بلوغ الأموال والديار، وقالوا: يجوز ذلك(3) كما جاز للنبي المختار حيث استعان بخزاعة الأنصار على حرب قريش الأشرار.
ونحن نقول: إن هذا مبني على شفا جرف هار، إنما الانتصار بالفجار لبعض الأعذار يجوز للأئمة الأخيار، العالمين بمواقع الإيراد والإصدار، المميزين للملتبسات بثاقب الأفكار، وغامض الأنظار، وتحصيل هذه الجملة المذكورة، والدرر المبددة المنثورة.
Bogga 81