Sidaas Ayaa La Abuuray: Sheeko Dheer
هكذا خلقت: قصة طويلة
Noocyada
كنت أسمع أحاديث عن هذا الزواج، وكنت في ريب منها، فلما أكدها زوجي كنت كمن فوجئ بها، والعجيب أني شعرت حين تحققت منها كأن صديقتي تخونني، وفكرت لذلك في إفساد ذلك الزواج التي تعتزم، كيف نبت هذا الشعور في نفسي وصديقتي مخلصة في مودتها لنا، ولا جناح عليها وهي أرمل أن تفكر في الزواج، ولا حق لي وأنا متزوجة أن ألومها فيه؟ ولم أكن أحسب أن بيني وبين صديقنا عاطفة تسوغ مثل هذا الشعور! لا جواب على هذه الأسئلة، ولكن ذلك ما حدث، وسرعان ما ترعرع هذا النبت فحرك شجوني وأنساني الألماني، وأنساني زوجي، وأنساني حديث الناس، وجعلني لا أعنى بشيء إلا بإفساد هذا الزواج!
ولطالما فكرت من بعد: أي داع دفع هذا العزم إلى نفسي؟ وكل ما اهتديت إليه بعد طول البحث والتحليل أني كنت أجد في زيارات صديقنا وأحاديثه متعة أستعين بها على الملال، بل أسعد بها في الساعات الطويلة التي كان العمل يشغل زوجي في أثنائها، وأن عقلي الباطن أوحى إلي أن زواجه بهذه المرأة سيشغله عني ويأخذه مني، ومن يدري؛ فلعلها يوم تتزوجه تجعل من دارها ندوة يأوي إليها زوجي فتتم بذلك عزلتي، ويصبح انتصار هذه الفاتنة اللعوب علي حاسما يحطم كبريائي ويمرغها في التراب؟! فأما إن استطعت إفساد هذا الزواج فسيبقى صديقنا يؤنس وحدتي، ويبعث المسرة إلى قلبي، وسأجد في أحاديثه مسلاتي، بل هناءتي، وسيبقى منزلي مقصده ومقصد زوجي، هذا ما اهتديت إليه من بعد، تفسيرا لعزمي على إفساد هذا الزواج.
وأحكمت يومئذ تدبيري، فتمارضت ولزمت سريري، وكنت إذا أصبحت وخرج زوجي إلى عمله تزينت للسرير أجمل زينة وأشدها إغراء، وبقيت به طيلة النهار، واستقبلت زائراتي وأزواجهن في غرفة نومي، وجاءني زوجي غداة اعتكافي، وأخبرني أن صديقنا يستفسر عن صحتي، وأنه في بهو الاستقبال، قلت: «لو أن صديقتي كانت هنا لما رأيت بأسا باستقبالهما في غرفة النوم ما داما يعتزمان الزواج.»
ولم أعجب حين رأيت صديقتي تجيء الغداة ومعها صديقنا، بحجة أنها تريد محادثة زوجي في بعض الشئون المتعلقة بأبنائها، فلما خلا الجو لصديقنا قال: «أشكرك على السماح بزيارتك وأنت في هذه الزينة البارعة، لقد ضاعف وجودك هنا من جمال هذه الغرفة وزادها سحرا.» قلت: «دعك من هذا الحديث فأنا متعبة لا طاقة لي بسماعه، وأين جمال هذه الغرفة وساكنتها من جمال عروسك وسحر عينيها الفاتنتين؟ فلا تكادان تنظران إلى رجل حتى يخر على قدميه ساجدا.» وسكت لحظة ثم قلت: «إنني هدني التعب والمرض، وأنا أشكرك لتفضلك بالسؤال عني»، قلت هذا وصحبته بابتسامة حار في دلالتها، أهي التهكم أم الصدق أم مجرد الإغراء؟ ونظر الرجل إلي بعينين واسعتين، وقال: «يا ماكرة! أمتعبة أنت حقا أم تريدين أن تتعبي من يزورونك هنا لأنهم لا يستطيعون الإمساك عن التفكير في صورتك الجذابة، وفي الإطار البديع الذي أحطت نفسك به.»
وعادت صديقتي فأمسكنا عن الكلام، على أن صديقنا عاد الغداة مع زوجي، وصعد معه إلى غرفة نومي، وقد أقنعته سرعته إلى رفع الكلفة بأنه لم يبق ما يمنعه من زيارتي فيها، وابتسمت فيما بيني وبين نفسي لنجاح الخطوة الأولى من خطتي، فلولا أنني أذنت بصعوده إلي مع صديقتي لبقي كارها في تحفظه. ورآني حين دخل الغرفة في زينة غير التي رآها لأمسه، فانتهز فرصة خرج فيها زوجي لبعض شأنه، وقال: «ما أجمل المرض في هذا السرير!» قلت: «وما لك أنت وذاك وأنت موشك أن تتزوج؟ احتفظ بمثل هذه التحيات لتقولها لأهل بيتك، متعك الله في الحياة الجديدة التي تنتظرك، وأرجو يومئذ أن تنسيك هذه الحياة أصدقاءك!»
وبعد هنيهة سألته: «ما بال صديقتي لم تحضر معك كما فعلت أمس وهي تعلم أني متعبة؟» قال: مررت بها فألفيتها غادرت منزلها، ولم تذكر لخادمها أيان ذهبت، وسألت عنها في بيت أهلها فلم أجدها هناك.»
كنت أعرف في هذه الصديقة خفة تستسيغ معها أن تصحب المعجبين بها إلى نزهات خلوية، وكنت أعرف من أقاربي شابا جميل الطلعة يتردد إليها مسحورا بجمالها وبفتنة عينيها، وقد شجعته هذه الفترة الأخيرة على مصاحبتها، وعلمت في هذا اليوم أنهما سيخرجان لنزهة على طريق السويس بعد مصر الجديدة، فأوحيت إلى صديقنا أن يذهب إلى هذه المنطقة فإذا صادف قريبي هناك، فليبعث به إلي لأمر هام أريد أن أحدثه فيه، ولم يجد صديقي بعد زياراته الأخيرة إياي في غرفة نومي مفرا من أن ينزل على رغبتي. وبعد الغروب عاد إلي وعيناه تقدحان الشرر وهو يقول: «أهنئك يا سيدتي بنجاحك في إفساد هذا الزواج، وأشكرك، لقد رأيت قريبك مع صديقتك داخل السيارة في جوف الصحراء وهما في وضع لا أستطيع أن أصفه!» قلت: «هون عليك يا أخي، فقد حملني الوفاء لصداقتك على أن أتيح لك فرصة ليس يسيرا أن تتاح لإنسان، فإن كان قد ساءك ما فعلت فلي من حسن قصدي عذير.» قال: «ولكنك قاسية، وكان حسبك أن تنبهيني»، فقلت: «إنني أردت أن ترى بعينيك ما لا تستطيع أن تصدقه حين تسمعه»، فأطرق إطراقة طويلة ثم ارتمى على مقعد، وكأنما ترقرقت في عينيه دمعة، وقال: «شكرا لك أن أزلت عن ناظري غشاوة حجبت عني خطرا داهما.» وبعد برهة ودعني وانصرف.
أما صديقتي فلم تخاطبني ولم أخاطبها بعد ذلك اليوم، ولم يكفها أن قاطعتني، بل ذهبت تذيع في كل صالون، وفي كل ناد، وفي كل مجتمع في المدينة أني أحب صديقنا، وأنني أريد أن يطلقني زوجي لأتزوجه، وأن الغيرة دبت في نفسي منها منذ عني زوجي بشأنها، واهتم بميراث أطفالها، وقد كان عذرها في مهاجمتي أنها تدافع عن نفسها، فقد أخبرني قريبي الذي كان معها في السيارة في الصحراء أن صديقنا فاجأها وهو ممسك يدها بين يديه، وهي ملقية رأسها على كتفه، وأنها حين رأت صديقنا سحبت يدها من يديه، وصفعته على وجهه قائلة: «أوبلغ من سفالتك أن تدبر مع قريبتك هذا الموقف المشين يا نذل؟!» وأقسمت أن لن تراني، وأنها ستفضحني. وكان مما قالته له والسيارة تعود بهما أدراجهما: «لماذا تدليتم إلى هذا الحضيض يا أحط من خلق؟! هل أخذت منها زوجها؟! لقد كان في مقدوري أن أفعل، فأنا أجمل منها ألف مرة، ولكني حفظت عهد الصداقة، ورعيت ما بيننا من خالص الود. هل أخذت منها الألماني في الأقصر، ولم تكن تراه إلا على مائدتي في «ونتر بالاس»؟ وإذا كانت تعشق هذا الذي كنت أريد أن أتزوجه فلماذا لم تخبرني فأدعه لها وألقيه صاغرا تحت أقدامها؟ أم حسبت أنني أنافسها في محبته فتآمرت معك هذه المؤامرة الدنيئة؟! إن يكن ذلك ظنها فهي مخطئة، إنه رجل ماجن، ولكنه أظهر صدق الإخلاص إثر وفاة زوجي، وعمل جهده لمعاونتي على استخلاص ميراث أطفالي حتى استخلصه، فقدرت له هذا الصنيع وأردت أن أجزيه عنه بالتزوج منه، فإن كانت قريبتك قد ظنت رغبتي في التزوج منه عشقا أو حبا فهي مخطئة، وليس بين الرجال من يستحق في سني أن أحبه، وإن كان منهم من يستحق أن أحترمه، ولست أنت ممن يستحقون الاحترام بعد أن انحدرت إلى هاوية المؤامرة التي انحدرت إليها!»
قص علي قريبي هذا كله غداة حدوثه، واشتد في لومي أن أوقفته هذا الموقف، وطمأنته بكلمات لم تزل غضبه، ولم يرعني هذا الغضب وأنا أحسب أني في أوج انتصاري، لقد دبرت فنجح تدبيري، وكنت أعلم أن نجاحي معناه القطيعة الحاسمة بيني وبين صديقتي، وأن تدبيري لن يضير قريبي وهو شاب وسيم، ومن حقه في نظر الناس جميعا أن يخرج للنزهة مع أي امرأة يغريها شبابه وجماله، فلن يروعني إذن أن ينتج عملي كل آثاره.
وانقضت أيام انقطع صديقنا في أثنائها عن المجيء إلينا حتى خشيت أن يكون قد خاصمني، وإنني لفي غرفة زينتي إذ دخل علي زوجي متجهما صامتا، فسألته ما به؟ فقال إن صديقنا مريض نزلت به الحمى منذ غادرني آخر مرة عائدا إلى منزله، وإنه قص عليه ما كان بين صديقتي وقريبي، وإنه اليوم أحسن حالا، وسكت زوجي بعد ذلك طويلا ثم قال: «وقد سألته لم لم يدعني لعيادته لأول ما نزل به المرض، فقال إنه لم يرد إزعاجك، ولست أدري كيف سولت لك نفسك أن تقدمي على ما أقدمت عليه!» قلت: «لقد كنت أحسبك أكثر وفاء لصديقك، وأشد حرصا على طمأنينته في حياته.» قال: «أوقاصر هو لتنصبي نفسك وصية عليه؟» قلت وقد بدأ هدوئي يزايلني: «وهل بلغ من حرصك على عواطف صديقتي وعلى رقيق مزاجها أن تلومني من أجلها؟ تزوجها إذن أنت إن كانت قد فتنتك! لقد طالما حدثتني نفسي عن سر عنايتك بشأنها، وطالما حاولت أن أقنع نفسي بأن إنسانيتك وطيبة قلبك وشفقتك على أطفالها هي مصدر هذه العناية، أما الآن فقد فضحت سرك، واستبان لي خفي أمرك، اذهب فتزوجها أنت إن شئت، اذهب يا منافق!»
Bog aan la aqoon