Sidaas Ayaa La Abuuray: Sheeko Dheer
هكذا خلقت: قصة طويلة
Noocyada
ولم يكن دافعي إلى هذا التفكير محبتي إياه بقدر ما كان الدافع إليه غيرتي ونفوري من أن تأخذ امرأة مني رجلا ملكته يدي، وأصبح طوع يميني، فصار لا يستطيع حراكا بغير إرادتي!
واستخلصت صديقتي ميراثها بمعونة زوجي ومعونة صديقنا، وأصبحت بذلك في سعة تسمح لها أن تنهض بحياتها وحياة أولادها في رخاء ونعمة، فأقامت في مسكن اختارته لنفسها، ولم يكفها أن تذهب إلى الأقصر في الشتاء لنزهتها، بل كانت تصطاف في أوروبا، وتقضي في ربوعها شهور متاع ومرح ومسرة.
ولم ينقطع زوجي عن التردد عليها بعد أن استخلصت ميراثها، ولم تنقطع هي عن زيارتنا برغم قلة زيارتي بيتها، وكانت غيرتي تزداد لذلك ضراما، وكنت أومئ إلى زوجي أن الناس يتحدثون في تردده عليها، فلا يأبه لهذا التلميح، مكتفيا بقوله: «ما دمت واثقة بي مطمئنة إلي فإن كلام الناس لا يعنيني»، وكانت كبريائي تأبى علي حين أسمع منه هذا القول أن أخبره بمكنون صدري، وإن استبد بي التفكير في التماس الوسيلة للتخلص من هذه المرأة ومن تردد زوجي عليها. وإني لأقلب هذا الأمر على وجوهه إذ أخبرني زوجي أن الألماني الذي عرفنا في الأقصر قد جاء إلى القاهرة، وأنه تحدث إليه بالتليفون، وأنه دعاه لتناول الشاي معنا، قلت: «إذن فادع صديقنا لنحدث التعارف بينهما، وإذا لم يكن لديك مانع فادع كذلك صديقتي فإنه يسرها لا ريب لقاء الألماني بالقاهرة، بعد أن تلاقيا طويلا بالأقصر.» ولم يجد زوجي بأسا بدعوتهما، فكدت أطير من الفرح مؤمنة بأن الحظ الذي جاء بالألماني إلى القاهرة في هذا الوقت لا بد مسعدي في تفكيري، وستتمخض هذه المصادفة الطيبة عن نتائج أرضاها.
وجاء المدعوون ساعة الشاي، وأقبل علي الألماني يحييني وتكاد عيناه لا تنظران إلى غيري، وكانت أول عبارة قالها: «لم لم تحضري إلى الأقصر هذا العام يا سيدتي؟ إن جميع معارفك والمعجبين بك كانوا يسألون عن موعد مجيئك بشغف ليس كمثله شغف، سلي صديقتك، لقد عرفت من ذلك ما عرفت، وأظنها أبلغتك تحياتهم واحتراماتهم.»
لم يثر هذا الكلام من صديقتي أي صدى، بل تشاغلت عن الإصغاء إليه بالحديث إلى زوجي وإلى صديقنا، وزادني ذلك إقبالا على الألماني، وترحيبا به، وعملا على أن أصل الحديث بينه وبين سائر الحاضرين.
لم توجه صديقتي إلى الألماني في أثناء الشاي إلا كلمات متقطعة، لكنها كانت المودة مع زوجي كل المودة، وكانت تلتهم صديقنا بعينيها التهاما، وتكاد تأكله بهما أكلا، وكان صديقنا يجاهد لكي لا يغيب عنا مسحورا بهاتين العينين الفاتنتين، زانهما حور زاده الكحل الرقيق سحرا، وزاد صاحبته فتنة، وكانت صديقتي تعرف سحر عينيها، وتعرف كيف تزيد نظراتهما فتنة وسحرا، ومع ذلك جزى الألماني صدها عنه بالإقبال علي وتوجيه الحديث كله إلي إلا عبارات كان يبعثرها هنا وهناك حتى لا يحسب زوجي أو صديقنا أنه نسيهما لفرط اشتغاله بي.
فلما فرغنا من الشاي قلت: «ألا تريد أن تنزل إلى الحديقة؟» قال: «بكل سرور»، فدعوت صديقنا وتخطيت مع الرجلين غرف الطابق الأول، ونزلنا من السلم الخلفي إلى حديقة الدار، أما صديقتي فقد اعتذرت، وآثرت المكث حيث هي، واضطر زوجي للبقاء في صحبتها، ولم تطل دورتنا في الحديقة، فلما عدنا منها قال الألماني موجها الكلام إلى زوجي: «ما أجمل داركما! إن براعة الذوق في نظامها وتنسيقها لتنطق بأن السيدة قد بثت فيها من روحها بعض ما تنطوي عليه من تناسق وجمال.» وشكره زوجي، ثم ودعنا ضيوفنا وأوصلناهم إلى الباب الخارجي.
فلما خلوت إلى زوجي قلت له: «ما رأيك في أن ندعو الرجل للعشاء غدا؟ إنه ينزل فندق الكونتننتال، وليس أيسر من أن تحادثه بكرة الصباح تليفونيا، وما أحسبه إلا قابلا دعوتنا»، وأجاب زوجي في هدوء مصطنع لا يتفق مع ألفاظ عبارته: «ألم يكفك أني دعوته اليوم للشاي إرضاء لك، أنت تعلمين كما أعلم أنه لم يخاطبني في التليفون حين جاء إلى القاهرة حرصا على مقابلتي، بل حرصا على مقابلتك أنت، فإذا دعوناه للعشاء غدا أثار ذلك حديث أصدقائنا حولنا، ولا أحسبك تغتبطين بأن يذاع هذا الحديث!»
قلت وأنا أكظم في نفسي سرورا كادت تلمع به عيناي: «وماذا عسى يستطيعون أن يقولوا؟ هذا رجل مسافر بعد غد إلى بلاده في أوروبا ليقيم بها ستة أشهر أو تزيد، وقد أكرمني في الأقصر العامين الماضيين، فلا عجب أن تكرمه بمناسبة مروره بالقاهرة، وأنا مع ذلك لا ألح عليك في دعوته، وإن كنت أعجب لكلامك عن حديث الناس، وكأنهم لا يتكلمون اليوم عنا لمبالغتك في العناية بصديقتي، ولو أنك عرفت ما يقولون لما ذكرت حديثهم في دعوة بريئة لرجل أكرمنا من قبل، وأكرر أني لا ألح في دعوته، بل أعتذر إليك وأرجوك أن تنسى أني طلبتها.»
وتلجلج زوجي حين سمع هذا الكلام وكأنما طعنته في صدره ، فوجم هنيهة ، ثم قال: «يغفر الله للذين يتحدثون عني، إنما دفعتني للعناية التي تذكرين عاطفة نبيلة لأطفال ما أحوجهم إلى ميراث أبيهم، وللعطف عليهم، أما أمهم فلا شأن لي بها، ولا شأن لها بي إلا أن تشكرني على العناية بأطفالها، وصديقنا هو المعني الأول بالأمر، وهو الذي يحفزني كلما ظن أني بحاجة إلى حافز لمضاعفة عنايتي، وقد لا تعلمين أن صديقنا يفكر في الزواج من هذه السيدة، أو أنها هي التي تفكر في الزواج منه.»
Bog aan la aqoon