204

Hadarat Carab

حضارة العرب

Noocyada

يتردد الناس هنالك كثيرا إلى القهوات، ولكن لا عهد لتلك القهوات بما في قهوات أوربة من وسائل الترف، وذلك أن متاع تلك القهوات يتألف من حصر وأكواب ونارجيلات في الغالب، ومع ذلك تمتاز القهوة التي تعرض فيها بحسن الصنع، والأوربي الذي يتعودها في الشرق لا يعود إلى نقيع القهوة في بلاده إلا على مضض.

شكل 2-8: موكب عرس في القاهرة (من صورة فوتوغرافية التقطها سباه).

وليس بمجهول أن معرفة الشرقيين للقهوة أمر حديث، وأنهم لم يعرفوها أيام ازدهار حضارة العرب.

ومن العادة في الشرق أن يتناول المرء، في أثناء شرب القهوة، التبغ الأشقر العطر اللذيذ الذي لا يعرف الغرب غير نوع مقلد منه، وفي الشرق يستعملون ذلك التبغ على العموم في النارجيلات الطويلة الأنابيب وذات النماذج الكثيرة، فيمر الدخان من آنيتها المملوءة بالماء متطهرا بذلك من عناصره السامة قبل أن يصل إلى الأفواه، ويبلل التبغ، ويوضع في أعلى النارجيلات، وتوضع عليه نويرات تحترق مع التنفس من أطراف تلك الأنابيب الأخرى، وتجد السيغارة شائعة في الشرق، ويجهل الشرق السيغار.

4

والحشيش، الذي هو مادة مسكرة، من أهم وسائل اللهو والتسلية عند أمم الشرق منذ قرون، والفلاح الشرقي الحقير يصبح وقتما يتعاطاه سعيدا حينا فلا يرضى بحظ أعظم ملوك الأرض بدلا من حظه، والشرقيون قد حلوا بفضله مشكلة وضع السعادة في الزجاجة التي لا تعسر حيازتها، وإذ لا يزال ذا شأن عظيم في حياتهم نرى من المفيد أن نقول كلمة في خواصه: يصنع الحشيش من القنب الهندي كما يعلم العالم، ويباع في القاهرة والقسطنطينية على العموم كمربب وحلوى ومعجون وملبس ... إلخ، ويمزج، لتعديل خواصه، بجوز القيء والزنجبيل والقرفة والقرنفل وما إلى ذلك، وكذلك بالذراح

5

على ما يقال.

ويظهر أن الحشيش كان معروفا في القرون القديمة ولم يستخرج الترياق، الذي حكى عنه أوميرس والمادة التي روى ديودورس الصقلي أن نساء ديوسكوپوليس المصرية كن يزلن بها هموم أزواجهن وغضبهم، من غير القنب الهندي على ما يظن، ومما لا ريب فيه أن أمر الحشيش كان شائعا في سورية أيام الحروب الصليبية.

وللأثر الذي ينشأ عن تناول الحشيش علاقة بحال الإنسان الروحية، وأرى أن أثره النفسي يلخص بأنه يجسم الخيالات التي تجول في النفس، وأن هذه الخيالات تشتد وتمزج بالحقائق، فإذا كانت النفس طيبة غرقت على العموم في بحر من الملاذ بما يلائم ما تبالي به من الأعمال عادة، وعلى هذا الوجه يرى الشرقيون الذين يتناولون الحشيش بين حريمهم أنهم ينقلون إلى ما في جنات محمد من حور العين مسحوري العيون برقص نسائهم مشنفي الآذان بأغانيهن.

Bog aan la aqoon