257

فشغل الأدبي عن الأرفع هو المذموم ، وأما الشغل بالأرفع عن الأدنى فمحمود. قالوا في الأفعال ( وعصى آدم ربه فغوى ) [طه : 121] والعصيان يوجب الوعيد ( ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم ) [الجن : 23] والغي ضد الرشد ( قد تبين الرشد من الغي ) [البقرة : 256] ، ثم إنه تاب والتوبة دليل الذنب ، وإنه ظالم لقوله ( فتكونا من الظالمين ) والظالم ملعون ( ألا لعنة الله على الظالمين ) [هود : 18] وأنه أخرج من الجنة ، وكل هذه دليل ارتكاب الكبيرة. والجواب ، المنع من أن هذه الأمور كانت بعد النبوة. ثم لنفرض أنه صدر ذلك الفعل عن آدم بعد النبوة ، فإقدامه عليه إما أن يكون في حال كونه ناسيا ، أو في حال كونه ذاكرا ، الذاهبون إلى الأول وهم طائفة من المتكلمين احتجوا بقوله ( فنسي ولم نجد له عزما ) [طه : 115] ومثلوه بالصائم يغفل عن صومه فيأكل في أثناء ذلك السهو عن قصد. قيل عليه إن قوله ( ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين ) [الأعراف : 20] وقوله ( وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين ) [الأعراف : 21] يدل على أنه ما نسي وروي عن ابن عباس أنهما لما أكلا منها وبدت لهما سوآتهما ، خرج آدم فتعلقت به شجرة من شجر الجنة فحبسته فناداه الله تعالى : أفرارا مني؟ فقال : بل حياء منك. فقال له : أما كان فيما منحتك من الجنة مندوحة مما حرمت عليك؟ قال : بلى يا رب ، ولكن وعزتك ما كنت أرى أحدا يحلف بك كاذبا ، فقال : وعزتي لأهبطنك منها ثم لا تنال العيش إلا نكدا. وأيضا لو كان ناسيا لما عوتب عليه لأنه قادر على تركه ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها ، رفع القلم عن ثلاث. وأجيب بالمنع من أن إقدامه على ذلك الفعل إنما وقع عقيب قول إبليس ، لأنه كان عالما بتمرد إبليس عن سجوده وكونه عدوا له ولزوجه ، ولأنهما لو صدقاه لكانت المعصية في تصديقه أعظم من أكل الشجرة ، لأنه ألقى إليهما سوء الظن بالله وأنه ناصح والرب غاش. وما روي عن ابن عباس فهو من باب الآحاد ولا يلزم من رفع النسيان عن هذه الأمة رفعه عن غيرهم ، بل لا يلزم من رفعه عن الأمة رفعه عن النبي صلى الله عليه وسلم «أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأولياء ثم الأمثل فالأمثل» (1) «إني أوعك كما يوعك الرجلان منكم» (2) وقيل : إن حواء

Bogga 259