فن السيرة
فن السيرة
Daabacaha
دار الثقافة
Lambarka Daabacaadda
٢
Noocyada
من الأدب دون أن يعالجه، ولم يقف أبو حيان التوحيدي عنده إلا قليلًا. وكلا الرجلين كان نافذ البصر في طبائع الناس وأحوال المجتمع، أما الجاحظ فانصرف إلى الحكايات التصويرية لنواحي الأخلاق والسلوك في جانبي الاستقامة والشذوذ، وأما أبو حيان فاكتفى " بالرسائل الصغيرة " في ترجمة الأشخاص، منتحيًا أسلوبًا فنيًا حيويًا عامرًا بالفتات الدقيقة، أسلوبًا ربما لم يرزق مثله أحد من قبله أو من بعده قوة وأصالة وجمالًا. وفضلًا عن هذا كله كان أبو حيان يتفرد بميزتين: الأولى ذلك الخيال اللازم لربط أجزاء السيرة في وحدة كاملة، وهو خيال يضع الكلمة اللازمة والحوار الضروري في كل موقف إذا قصر الواقع، ولا يهتم بالصيغة الأصلية للخبر إلا بمقدار. وهي مقدرة قصصية لا تستغني عنها السيرة حين يراد لها أن تكون أدبية. وأما الميزة الثانية فهي فهمه الدقيق لموقف كاتب السيرة في عدم تحيزه وفي ميله دائمًا إلى الإنصاف. وهذا أصل هام صوره أبو حيان بدقة حين سأله الوزير ابن سعدان أن يحدثه عن أخلاق الصاحب ابن عباد ومذهبه وعادته فقال أبو حيان وكانت آماله قد خابت عند الصاحب ورجع عليه ناقمًا مشيعًا لمساوئه: " إني رجل مظلوم من جهته وعاتب عليه في معاملتي وشديد الغيظ لحرماني وإن وصفته أربيت منتصفًا، وانتصفت منه مسرفًا فلو كنت معتدل الحال بين الرضى والغضب أو عاريًا منهما
1 / 20