83

Fiqh al-Seerah by Al-Ghazali

فقه السيرة للغزالي

Daabacaha

دار القلم

Lambarka Daabacaadda

الأولى

Sanadka Daabacaadda

١٤٢٧ هـ

Goobta Daabacaadda

دمشق

Noocyada

جهد جهيد، وقد يختلط التراب بالتبر فما يستطيع بشر فصله عنه.
في غار حراء كان محمد ﵊ يتعبّد، ويصقل قلبه، وينقي روحه، ويقترب من الحق جهده، ويبتعد عن الباطل وسعه، حتى وصل من الصفاء إلى مرتبة عالية؛ انعكست فيها أشعة الغيوب على صفحته المجلوّة، فأمسى لا يرى رؤيا إلا جاءت كفلق الصبح.
في هذا الغار اتصل محمد ﷺ بالملأ الأعلى.
ومن قبله شهد بطن الصحراء أخا لمحمد ﵊، يخرج من مصر فارّا مستوحشا، ويجتاز القفار متلمّسا الأمن والسكينة والهدى، لنفسه وقومه، فبرقت له من شاطئ الوادي الأيمن نار مؤنسة، فلمّا تيمّمها، إذا بالنّداء الأقدس يغمر مسامعه ويتخلل مشاعره:
إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي (١٤) [طه] .
إن شعلة من هذه النار اجتازت القرون؛ لتتّقد مرة أخرى في جوانب الغار الذي حوى رجلا يتحنّث ويتطهّر، نائيا بجسمه وروحه عن أرجاس الجاهلية ومساوئها، لكنّ الشعلة لم تكن نارا تستدرج الناظر، بل كانت نورا ينبسط بين يدي وحي مبارك، يسطع على القلب العاني بالإلهام والهداية، والتثبيت والعناية، وإذا بمحمد ﷺ يصغي في دهشة وانبهار إلى صوت الملك، يقول له:
«اقرأ ...» فيجيب مستفسرا: «ما أنا بقارئ»، ويتكرر الطلب والرد لتنساب بعده الايات الأولى من القران العزيز:
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ (٢) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ (٥) [العلق] «١» .

(١) حديث صحيح، سيأتي تخريجه قريبا.

1 / 90