وليت حكامنا جميعا يصلبون على تقبل الشفاعات في غير مواطن الحق، فإن الإفراط في الرجاء أصبح من أعضل أدوائنا الاجتماعية.
وإذا كان الحاكم عدلا صادق الولاية على عمله، فليس هناك معنى «للرجاء» عنده إلا أن يراد به العدول إلى الظلم وتعمد الخلاف للقانون! أرأيت مثل هذا إسفافا في الطباع وفسولة في الأخلاق؟! ... والعجب أنه مع وضوح هذا كله لجماعة المضطربين بفنون الشفاعات عند الحكام، فإن أكثرهم ليطلقون ألسنتهم بمقالة السوء فيمن يعتصم بالحق ولا ينحرف، طوعا لشفاعاتهم، عن حكم القانون. وبهذا أصبح لا يستحق الحمد، في شرع هؤلاء، إلا ظالم متمرد على النظام!
وقال لي صديق من القضاة يوما وهو جزع ثائر النفس: لا يغيظني يا فلان قدر أن يجيئني الشفيع في إحدى القضايا فلا يفتح عليه الإجرام إلا بأن يرجوني «أن أقضي فيها بالعدل!» ومعنى هذا أنني لا أحكم في أقضية سائر الناس إلا بالظلم! ولو سألني أن أقضي في شأن صاحبه بالظلم؛ لكان ذلك أرفق بي وأدل على أنني إذا أرسلت على طبعي لما عدوت مكان الحق! ...
أقول، لو صلب الحكام جميعا على تقبل الرجاء لما استنكفوا الأذى فقط بل لطبعوا، على الأيام، كثرة الناس على حب الحق وإجلال القانون، وما أحوج بلادنا في نهضتها الكريمة إلى أن يتغلغل في القلوب حب الحق، وإجلال القانون.
ونعود إلى علي باشا الشمسي فنقول إنه أظهر في هذه الفترة التي قبض فيها على زمام وزارة المعارف كل مواهب الوزير العظيم، القوي الذهن، النافذ الرأي، الواثق بالنفس، والذي لا يجعل كلمته في أسباب الحكم رهنا بمنصبه، بل يجعل منصبه رهنا بكلمته.
وليس لتعليم علي الشمسي فضل كبير في الحرص على كلمته، بل إن أعظم الفضل في ذاك لحكم الوراثة، فقد قال أبوه أمين باشا الشمسي أغنى تجار القطن من قبل كلمة، وكان له أن يتحلل منها فلم يفعل، وخسر فيها مئات آلاف الجنيهات. وهكذا إذا كان في نبل الكلمة خسارة في المنصب أو المال، فهي كل الربح يحصيه التاريخ لعظماء الرجال. •••
وعلي باشا الشمسي شاب متين الجسم، مفتول العضل، أدنى إلى القصر منه إلى الطول، أبيض اللون، أزرق العينين، تسترعي نظرك منه تلك الجبهة الواضحة العريضة التي تمثل لك قاعدة مثلث ينتهي بأسفل ذقنه، وما أن راقك منه أدبه وشدة وداعته، فاطلعت منه على تلك الجبهة الهائلة إلا أحسست أنه رجل خلق للكفاح والنضال.
وحدثتك أنه مفتول العضل، ذلك بأنه
Sport
حقا، فهو يجيد السباحة، وركوب الخيل، والملاعبة «بالشيش»، ولا ينطوي عليه يوم إلا فرض منه قسطا للألعاب الرياضية.
Bog aan la aqoon