56

وفشت - مع الأسف - فاشية انقبض على أثرها صدقي باشا عن العمل، وصدر أدراجه إلى مصر وبقي في عزلته حتى كانت الوزارة العدلية في أوائل سنة 1921، فتقلد فيها وزارة المالية، وشخص في الوفد الرسمي إلى لندن في تلك السنة. وإذا كان قد شارك في بحث المسألة السياسية فقد انفرد ببحث المسائل الاقتصادية التي تعلقت بها المفاوضات، فكان فيما حرره منها حق لبق، وحق خبير.

وتعلم أن ثروت باشا قد استخرج في سنة 1922 تصريح 28 فبراير، وإعلان مصر دولة مستقلة ذات سيادة. فلا تنس أن صاحبه صدقي باشا كان وزره في هذا السعي وعونه بما جلى من التفاصيل. وما أبدع صدقي يكمل ثروت إذا عرضت عظيمات الأمور، هذا لخطب السياسة الضخم، وذاك لما يتكئ عليه حل المعضلات من دقائق الموضوعات.

فكيف بهذين مع عدلي بعينه العالية ونظره السياسي القدير؟ وكيف بثلاثتهم مع الزعيم الجليل سعد باشا، وما اختصه الله به من شدة نفس وقوة حجة وصلابة عود؟

ولقد حق للأمم الناهضة بهذا أن تغبط مصر، وإن مصر ببركة هذا الائتلاف المقدس لبالغة غرضها الأسمى إن شاء الله.

وبعد، فلقد لبثت مصر بضع سنين وعيشها السياسي قائم على تنابذ قادتها وتناحر أحزابها، كل يعمل للقضاء على غيره، حتى إذا خلا له وجه الأمر تولى حل قضية البلاد على ما قدره هو لتحقيق أماني البلاد. ويستحر القتال، ويرمي كل عدوه بما ملكت يده من أسباب الهلاك. ويأبى حارس الكنانة إلا أن يبصر الصفوة من القادة وأعيان أهل الرأي بأنه إذا كان هناك من يستفيد بهذه السياسة الدامية فليست هي مصر على أي حال!

وما إن أهاب بالقوم ذلك الداعي النصيح حتى ألقي السلاح، ونضيت الدروع، وخشعت القلوب، وفاضت العيون بالدموع، ومشى الأخ إلى أخيه يستعتبه فيعتب، وهرع الولد إلى أبيه يستعطفه فيعطف ويحدب، وتبزل الأضغان وتسل الأحقاد، فيجتمع الأحباب من كل ناد، فلا ترى عطفا يملأ الأفئدة، ورحمة تسيل بها الأكباد.

شواجر أرماح تقصف بينها

شواجر أرحام ملوم قطيعها

إذا احتربت يوما ففاضت دماؤها

تذكرت القربى ففاضت دموعها

Bog aan la aqoon