قلت: من زمن لم نرك، فأين كنت؟
قال ضاحكا: كنت أصعد الجبل.
قلت: جبل؟ أي جبل هذا الذي كنت تصعده، وقد أصبحت مثلي قعيدا أو كالقعيد؟
قال: إنه جبل مرسوم على ورق.
قلت: قص علي قصتك، فهزلك يمتع مثل جدك.
قال: أخذني الملل حينا، فاهتديت في مكتبتي إلى خريطة مكبرة لجزء من جبال الألب في الشمال الإيطالي، وهو جزء من الجبل يجذب إليه هواة الصعود، فنشرت الخريطة أمامي، وأمسكت بقلم، وأمعنت النظر فيما هو منشور أمامي، فما أنا إلا وكأني، بالخيال الناصع، أمام الجبل الحقيقي بصخوره، ووديانه وأشجاره وثلوجه، فأخذت أصعد السفح كما يفعل الهواة، وكل عدتي خيال وقلم يشير إلى مواضع قدمي صخرة صخرة، كان يمكن أن أتعجل الأمر فأقول: ها أنت ذا قد بلغت القمة، لكنني تريثت ممعنا في كل خطوة أخطوها أحس الصعاب كما يحسها صاعد في الحقيقة، وإذا بلغت شقا في صخور الجبل، أخذني خوف من يخشى السقوط إلى القاع السحيق، وهكذا قضيت ساعات طوالا، وعلى أيام متواليات، حتى أتممت الصعود، ولقد ساعدني على تلك الرحلة الخيالية العجيبة دقة الخريطة في رسم تفصيلات الجبل، فلم يعد فرق بين الصورة والجبل المصور إلا في الحجم.
قلت: ألا إنه لفتح من الله؛ هات لي يدك أصافحها مصافحة الشكور.
قال: ما هذا الذي تقوله؟ فتح من الله، لمن؟ وشكر، على ماذا؟
قلت: لقد حللت لي بحديثك هذا لغزا كنت أشغل نفسي بحله، عندما جئت.
قال: إذن جاء دورك في الحديث، إنني منصت لما تقول.
Bog aan la aqoon