124

Fi Adab Masar Fatimi

في أدب مصر الفاطمية

Noocyada

وشهد هذا العصر المؤرخ المصري الكبير الذي أخذ عنه كل من جاء بعده من المؤرخين الذين تحدثوا عن مصر، ذلك المؤرخ هو الحسن بن إبراهيم الليثي المصري المعروف بابن زولاق، فقد كان من أعيان علماء مصر، ولد سنة ست وثلاثمائة، وروى الحديث، وأخذ عنه بعض المحدثين أمثال عبد الله بن دهبان وغيره، وأولع بالتاريخ فروى عن الكندي وابن قديد وابن الداية، يقول ابن زولاق: كان أبو جعفر أحمد بن يوسف بن إبراهيم الكاتب (أي ابن الداية) قد عمل سيرة أحمد بن طولون أمير مصر، وسيرة ابنه أبي الجيش، وانتشرتا في الناس، وقرأتهما عليه، وحدثت بهما عنه مع غيرهما من مصنفاته، ثم عملت أنا ما فاته من سيرتهما.

3

وكان ابن زولاق من فرط حبه لرواية التاريخ، كثيرا ما ينشد:

ما زلت تكتب في التاريخ مجتهدا

حتى رأيتك في التاريخ مكتوبا

4

وصنف ابن زولاق عدة كتب منها: سيرة محمد بن طغج الإخشيد، وكتاب أخبار سيبويه المصري، وكتاب سيرة المادرائيين - وقد طبعت هذه الكتب كلها - وكتاب فضائل مصر (منه نسخة خطية بمكتبة الأزهر، وأخرى بدار الكتب المصرية، وثالثة بالمكتبة الأهلية بباريس)، وكتاب سيرة كافور، وكتاب سيرة جوهر، وكتاب سيرة المعز، وكتاب سيرة العزيز، وكتاب التاريخ الكبير على السنين، وله تذييل على كتاب الولاة للكندي، وآخر على كتاب القضاة للكندي أيضا، وكتاب خطط مصر. وأكثر هذه الكتب فقدت ولم يبق منها إلا شذرات متفرقة في الكتب، وإذا نظرنا إلى الكتب التي حفظت إلى الآن نرى ابن زولاق يدون ما سمعه من الثقات العدول من معاصريه، أو ما شاهده بنفسه من أحداث، فهي سجلات حوادث يتلو بعضها بعضا دون أن يكون هناك رابطة بين الحادثة والأخرى، فالكتب ليست بكتب تاريخ على النحو الذي نفهمه الآن من كتب التاريخ، بل هي أشبه شيء بجرائد الأخبار في عصرنا الحديث، وإن كان الكتاب الواحد يجمع الحوادث التي حدثت في عصر ملك من الملوك. ولم تقسم الكتب إلى أبواب وفصول، بل هي كما قلت مجرد سرد للحوادث، كما أن أكثرها ليس مرتبا على السنين أو على حسب وقوع الأحداث التي ذكرها، فقد تجد حادثة في أول الكتاب وتاريخ حدوثها بعد الحوادث التي جاءت بعدها، ومهما يكن من شيء فقد كان تأليف كتب السير في ذلك العصر على هذا النحو الذي نراه في كتب ابن زولاق، وبالرغم من ذلك فقد كانت كتب ابن زولاق مصدرا هاما من المصادر التي اعتمد عليها المؤرخون الذين تحدثوا عن مصر بعده؛ فابن خلكان، والنويري، وابن حجر العسقلاني، والسيوطي، وابن دقماق، وأبو المحاسن، وياقوت، والقلقشندي، والعمري ... وغيرهم، نقلوا كثيرا من مادة كتبهم عن كتب ابن زولاق، وكانوا يطلقون عليه «مؤرخ مصر» مما يدل على قيمة كتبه وأخباره، ولا غرو في ذلك فقد كان محدثا، والمفروض في المحدث أن يكون صدوقا فيما يرويه، وقد تكون ميزة ابن زولاق الكبرى هي صدق أخباره، حتى عرف بذلك بين معاصريه أنفسهم، فاستطاع أن يكتسب مكانة رفيعة في نفوسهم، وقد ذكرنا قصته مع الوزير يعقوب بن كلس. وتوفي ابن زولاق في عهد الحاكم سنة سبع وثمانين وثلاثمائة من الهجرة.

5 (2) المسبحي

ومن مؤرخي هذا العصر الذين كثر نقل المتأخرين عنهم: المؤرخ الأمير المختار عز الملك بن أبي القاسم عبيد الله بن أحمد المعروف بالمسبحي، الحراني الأصل، المصري المولد والنشأة، ولد في رجب سنة ست وستين وثلاثمائة، واتصل في صباه بخدمة الحاكم بأمر الله في زمرة جنده، وما زال يرقى في مراتب الجندية حتى صار أميرا على إقليم البهنسا والقيس من أعمال صعيد مصر، ثم ولي ديوان الترتيب، وينقل عنه أنه كان له مع الحاكم بأمر الله مجالس ومذكرات أودعها كتابه «التاريخ الكبير»، الذي وصفه بقوله: «التاريخ الجليل قدره، الذي يستغنى بمضمونه عن غيره من الكتب الواردة في معانيه، وهو أخبار مصر، ومن حلها من الولاة والأمراء والأئمة والخلفاء، وما بها من العجائب والأبنية، واختلاف أصناف الأطعمة، وذكر نيلها، وأحوال من حل بها، وأشعار الشعراء، وأخبار المغنين، ومجالس القضاء والحكام والمعدلين والأدباء والمتغزلين وغيرهم، وهو في ثلاثة عشر ألف ورقة.» ويدلنا هذا النص على أن المسبحي لم يهتم بالتاريخ السياسي فحسب، بل أراد أن يجعل من كتابه موسوعة عامة عن مصر من ناحيتها السياسية والاجتماعية والأدبية والاقتصادية، ومن المؤلم حقا أن يضيع مثل هذا الكتاب القيم، ولم يبق منه إلا هذه الفقرات القليلة المتفرقة في كتب التاريخ، وهذا الجزء الصغير المخطوط بمكتبة الأسكوريال بإسبانيا.

لم يكن الأمير المسبحي مؤرخا فحسب، بل كان أديبا له ذوق فني واطلاع واسع في ميدان الأدب، وألف في ذلك الميدان كتبا كثيرة منها: كتاب «التلويح والتصريح» في معاني الشعر، وكتاب «الشجن والسكن» في أخبار أهل الهوى وما يلقاه أربابه، وكتاب «جونة الماشطة» يتضمن غرائب الأخبار والأشعار والنوادر التي لم يتكرر مرورها على الأسماع، وكتاب «الراح والارتياح» في وصف الشراب وآلاته والندامى عليه، واختيار أوقاته، وذكر الأزهار والرياض والثمار والأشجار، وكتاب «الغرق والشرق»، وكتاب مختار الأغاني ومعانيها، وكتاب المفاتحة والمناكحة في أصناف الجماع، وكتاب الطعام والإدام في صفة ألوان الطعام وما يقدم على الخوان، وكتاب درك البغية في وصف الأديان والعبادات وذكر الملك والأنبياء والمتنبئين وذكر الفرائض والآداب، وكتاب الجوعان والعريان، وكتاب القران والتمام، وكتاب الأمثلة للدول المقبلة ... إلى غير ذلك من الكتب. كما كان شاعرا رقيق العاطفة دقيق الحس، فمن شعره في رثاء أم ولده:

Bog aan la aqoon