370

Fii Adabka Casriga ah

في الأدب الحديث

Noocyada

فالقصة في نظرهم الصورة المثلى التي يتجلى فيها الخيال وتظهر العبقرية، وخلو الأدب العربي منها فيما يزعمون دليل على ضعف العقلية العربية، وقد جاراهم في هذا بعض أدبائنا غير مدركين ما في هذه الدعوى من خداع وأخطاء، استمع إلى الأستاذ أحمد أمين وكيف يجعل قلمه صدى لهذه الفكرة الخاطئة فيقول عن العربي: "إن خياله محدود وغير متنوع، وقلما يرسم له خياله عيشة خيرا من عيشته، وحياة خيرا من حياته يسعى وراءها، لذلك لم يعرف المثل الأعلى، لأنه وليد الخيال، ولم يضع له في لغته لفظة واحدة دالة عليه، ولم يشر إليه فيما نعرف من قوله، قلما يسبح خياله الشعري في عالم جديد يستقي منه معنى جديدا, ولكنه في دائرته الضيقة استطاع أن يذهب كل مذهب": ويقول في موضوع آخر: "والمزاج العصبي يستتبع عادة الذكاء، وفي الحق إن العربي ذكي يظهر ذكاؤه في لغته, فكثيرا ما يعتمد على اللمحة الدالة، والإشارة البعيدة، كما يظهر في حضور بديهته، فما هو إلا أن يفجأ بالأمر فيفجؤك بالجواب الحسن، ولكن ليس ذكاؤه من النوع الخالق المبتكر، فهو يقلب المعنى # الواحد على أشكال متعددة فيبهرك تفننه في القول أكثر مما يبهرك ابتكاره للمعنى، وإن شئت فقل: إن لسانه أمهر من عقله"1.

هذا هو ما يقول الأستاذ أحمد أمين، ويقول مثله توفيق الحجيم2 وعباس العقاد في الفصول3 ونسي الأستاذ أحمد أمين حين أنكر أن العرب عرفوا المثل الأعلى, أو أشاروا إليه, قوله تعالى: {للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم} 4 وقوله تعالى: {وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم} 5 وأما أن المثل الأعلى كلمة واحدة أو كلمتان, فهذا لا يقدم في القضية ولا يؤخر، فلا الكلمة الواحدة تدل على عمق الخيال ولا الكلمتان تدلان على تقصيره، وهذا الكلام -وللأسف- صدى لما يفتريه الشعوبيون على العرب، وما يقدمونه للانتقاص منهم والغض من شأنهم قديما وحديثا.

Bogga 394