Faylasuufka Iyo Fanka Muusikada
الفيلسوف وفن الموسيقى
Noocyada
وقد ابتعد الموسيقي البورجندي عن تلك الأنغام القوطية التي كان يعدها أنغاما خشنة عتيقة، وكان الموسيقي القوطي قد استخدم الجواب «الأوكتاوف» والرابعة والخامسة بالطريقة التقليدية حتى استهلكها. وأما الموسيقي البورجندي فلجأ إلى الثالثة، بل وإلى السادسة، مما أرسى موسيقاه على مقامية أكمل. ومن المظاهر الأخرى للتضاد بين التفكير الموسيقي الجمالي للمدرستين القوطية والبورجندية، خشونة موسيقى المدرسة الأولى وجمودها، وانسياب موسيقى المدرسة الثانية وطابعها الغنائي العذب. وأتاح هذا الطابع الغنائي في الموسيقى البورجندية للمؤلف أن يستغل الإمكانات الموسيقية للصوت البشري.
وكانت الموسيقى التي يكتبها المؤلف البورجندي تزيد النص الكلامي ثراء، على حين أن المؤلف القوطي كثيرا ما كان يتجاهل العلاقة بين الموسيقى والنص. وكان المؤلف القوطي أميل إلى إظهار اهتمامه بعرض براعته ومقدرته الفنية التكنية منه إلى تنمية الحساسية بجمال التصميم والشكل على النحو الذي تميزت به أعمال الموسيقيين البورجنديين. وكان الأسلوب الشائع في الموسيقى القوطية - وهو وضع عدة ألحان متضادة لعدد من النصوص المتباينة - جريئا من الوجهة الموسيقية بقدر ما كان استعراضيا. غير أن مظاهر التقابل والاستعراض هذه كانت بعيدة كل البعد عن الأفكار الجمالية الموسيقية في المدرسة البورجندية، ومع ذلك فإن الطبيعة الهادئة للموسيقى البورجندية قد ضيقت نطاق إمكاناتها العاطفية؛ إذ كانت بطبيعتها عاجزة عن التعبير عما فيه بطولة وفخامة وجلال، وانعكست عليها فلسفة عصر النهضة؛ لأنها استسلمت للروح التأملية السائدة في ذلك العصر. كان الموسيقي البورجندي أفلاطونيا دون أن يدري في نظريته الجمالية إلى الموسيقى؛ إذ إنه إلى اهتمامه الزائد بالقالب وبملاءمة الموسيقى للنص، كان يطبق بالبداهة رأي فيتشينو القائل إن النشاط الفني شأنه شأن سائر مظاهر الحياة الروحية، مبني على الاعتدال والتأمل.
وكان جان فان أوكيجيم
Jan Van Ockeghem (1430-1495م) موسيقيا بارزا سيطرت شخصيته على النصف الثاني من القرن الخامس عشر. وقد درس على «روفي»، وكان هو ذاته أستاذ أعظم موسيقيي عصر النهضة «جوسكن دي بريه
Josquin des Pres » (1450-1521م)، الذي أشار إليه مارتن لوثر باحترام عميق، وتحدث عن فنه على أنه ينطوي على كل ما هو رائع في الموسيقى.
وقد أسهمت إنجلترا أيضا بنصيبها في موسيقى عصر النهضة، فكان الموسيقيون الإنجليز يجرون تجارب واسعة في المسافات والألحان الموسيقية، بل إننا نجد في كتابات «دنستبل
Dunstable » (المتوفى عام 1453م) إدراكا غامضا للعلاقة الهارمونية بين تآلف هارموني وآخر، بدلا من الطريقة التقليدية في استخدام كل تآلف هارموني دعامة للحن فحسب. ولم يرتفع موسيقي آخر بين الإنجليز في عصر النهضة إلى مكانة تعلو على مكانة دنستبل سوى بيرد
Byrd (1542-/3-1623م).
وفي إيطاليا كان الأفلاطونيون لا يزالون صامدين في مواقعهم في ميدان الفلسفة والفن، بعد أن أفادوا كل الفائدة من تلك الآفاق الأدبية الجديدة التي فتحتها أمامهم دراسة اللغة اليونانية، بل إن خصومهم الأسططاليين ذاتهم قد ثاروا واعترضوا على التفسير المتحجر الذي كانت الكنيسة تفرضه على مؤسس اللوقيوم «أرسطو»، وعندما حل القرن السادس عشر لم تطق الكنيسة صبرا على هؤلاء الخوارج، وقدمت عددا منهم لمحاكم التفتيش، حتى يتراجعوا عن معتقداتهم أو يواجهوا الموت. غير أن الكنيسة لم تستطع أن تقضي على هذا الاتجاه إلى النزعة الإنسانية ، لا في المجال العقلي ولا في المجال الفني. ولما كان الموسيقي قد تأثر بدوره بهذا الاتجاه في تفسير الفلسفة الأفلاطونية، فقد بدأ يؤكد أهمية النص ويضحي بالكنترابنط (
counterpoint ) واللحن، لا لأن الكنيسة كانت تحبذ مثل هذه الفلسفة الموسيقية، بل لأن المثل الأعلى للنزعة الإنسانية، وهو محاكاة اليونانيين، كان مبنيا على القاعدة القائلة إن على الموسيقى أن تضفي على النص الشعري ثراء. والواقع أن موسيقي عصر النهضة قد أصبح أفلاطونيا تماما، وأكد الفكرة القائلة إن وظيفة الموسيقى هي تجميل الكلمة المكتوبة، واستخلاص كل إمكاناتها العاطفية في سياقها الأدبي؛ بحيث يكون لكل بيت شعري أقوى تأثير ممكن في السامع، وفي هذا نجد الأساس الجمالي لفن «الغناء آكابلا
Bog aan la aqoon