Faylasuufka Iyo Fanka Muusikada
الفيلسوف وفن الموسيقى
Noocyada
ولقد أحرز فيثاغورس (حوالي القرن السادس ق.م.) شهرة يحسد عليها؛ إذ عرف بأنه منشئ العلم الموسيقي عند اليونان، ومؤسس مدرسة فلسفية ذات تعاليم سرية. ولقد شاع في العالم القديم اعتقاد بأنه لم يترك وراءه كتابات، حتى لا يفشي أسرار طائفته، وأغلب الظن أن فيثاغورس كان متبحرا في الرياضيات والعلم، وأنه أسس مدرسته بوصفها مجمعا دينيا تدرس فيه الأخلاق والسياسة إلى جانب الفلسفة وعلم الصوت والحركة. وقد وضع فيثاغورس، في محاولته كشف أسرار الكون، أسس الاعتقاد الميتافيزيقي بأن الأعداد هي الحقاق الأصلية، ثم ازداد تلاميذه غلوا في التصوف، وأضافوا إلى ذلك أن الأعداد هي الماهيات الحقيقية التي تكون قوام الطبيعة كلها وتحكمها. ولما كان الإنسان جزءا من الطبيعة، فإنه تجسيد لمجموعة من الأعداد، وهو يرتبط عدديا بالطبيعة ارتباط الجزء بالكل، والذي يجعل الإنسان على ما هو عليه مكوناته العددية. أما في الطبيعة، كما في الفنون التي يخلقها الإنسان للوفاء بحاجاته، فإن التناسب والتماثل والانسجام والتنافر ينشأ عن علاقات رياضية، وعلى ذلك فالموسيقى وحدة تتألف من علاقات عددية. ولما كانت الأعداد تتصف بصفات أخلاقية كامنة فيها؛ لأن الطبيعة خيرة في أساسها، فمن الواجب تقويم الموسيقى على أسس أخلاقية؛ أي إن حجة الفيثاغوريين هي أنه إذ كانت العناصر المكونة للموسيقى لها خصائص أخلاقية، فلا بد أن للموسيقى ذاتها قيمة أخلاقية. ولقد أدت هذه النظرة الأخلاقية إلى الموسيقى إلى صبغ الكتابات اليونانية في الفلسفة الجمالية للموسيقى بصبغة أخلاقية اكتمل نموها وتطبيقها النظري عند أفلاطون. ولنستمع إلى ما يقوله أرسطو عن الفيثاغوريين: «لقد رأوا أن من الممكن التعبير بالعدد عن تغيرات السلالم الموسيقية ونسبها.» ولما كانت كل الأشياء الأخرى تبدو في طبيعتها الكاملة مصوغة في قالب الأعداد، ولما كانت الأعداد تبدو أول الأشياء في الطبيعة بأسرها، فقد اعتقدوا أن عناصر الأعداد هي عناصر الأشياء جميعا، وأن السموات كلها سلم موسيقي وعدد.
7
وهناك أدلة قوية تبعث على الاعتقاد بأن فيثاغورس قد سافر إلى مصر، ودرس علوم الفراعنة وفلسفتها الموسيقية، مثلما فعل المؤرخ هيرودوت في القرن الخامس. والأرجح أن فيثاغورس قد عاد إلى اليونان ومعه بعض النظريات البسيطة في علم الصوت، فضلا عن معتقدات أخلاقية محددة المعالم عن الموسيقى، اكتسبها من الكهنة المصريين. وهكذا بدأ يقول لتلاميذه إن الموسيقى البشرية الفانية ما هي إلا أنموذج أرضي للانسجام العلوي للأفلاك. أما الفيثاغوريون المتأخرون، فقد اعتقدوا أن السموات تنبعث عنها موسيقى بالفعل؛ فخلال حركة هذه الأجرام السماوية في السماء، تؤدي السرعة التي تتحرك بها إلى بعث أصوات منسجمة كأنها مجموعة غنائية تنشد في السماء، وترتبط سلسلة الأصوات التي تصدرها هذه الأجرام السماوية بعضها ببعض كما ترتبط أنغام السلم الموسيقي. أما السبب الذي لا نسمعها من أجله، فهو أننا اعتدناها على الدوام.
8
وتروي الأخبار المتواترة أن فيثاغورس قد اكتشف قرار السلم وجوابه، ثم استنبط المسافات الواقعة بينهما عن طريق سلسلة فريدة من التجارب طبق فيها المعرفة التي كان قد جمعها في أسفاره، على أفكار خصبة ابتدعها هو ذاته. وقد وجد فيثاغورس أنه: (1) إذ شد وترا مثبتا فوق قطعة من الخشب، (2) ووضع إصبعه في منتصف هذا الوتر الوحيد بالضبط، (3) وضرب على ذلك الوتر، فإن كل نصف فيه يتذبذب بضعف سرعة الوتر، وبذلك تنتج نغمة تماثل في صوتها النغمة الأصلية المنبعثة عن الوتر الكامل، ولكن كل مستوى أعلى من حيث حدة الصوت، ثم طبق هذه الطريقة على أوتار لها كثافة ودرجة توتر واحدة، ووجد أن أطوال الأوتار هي التي تتحكم في النغمة، ولكن الخواص الفيزيائية للأوكتاف (المسافة بين القرار والجواب) يمكن تفسيرها عن طريق تقسيم الوتر إلى قسمين متساويين، أيا كان طوله أو سمكه، ولكن كيف نملأ الفراغ الذي تكونه الأصوات العليا والدنيا في الأوكتاف؟ لقد وجد فيثاغورس أنه إذا قسم الوتر عند نقطة تمثل نسبة 3: 4، فإنه يحصل على مسافات الصوت الموسيقي الرابع، وإذا كانت النسبة 2: 3 حصل على مسافات الصوت الخامس. وكان ينظر إلى الصوت الثامن والرابع والخامس على أنها أصوات متوافقة، على حين أن الثالث والسادس أصوات متنافرة؛ أي غير متوافقة.
وقد عرف عن أرخوطاس التارنتي
Archytas of Tarentum ، الذي عاش في النصف الأول من القرن الرابع معاصرا أفلاطون، أنه اهتم بدراسة الجوانب الفيزيائية للموسيقى أكثر مما فعل أي فيثاغوري آخر، وكانت له في الموسيقى كتابات كثيرة متنوعة، لم تتضمن فقط كشوفه وحساباته الخاصة، بل تضمنت أيضا كشوف وحسابات غيره من الفيثاغوريين الذين كانوا يجرون تجارب على أسس حسابية عن النسب العددية المناظرة للصوت الثامن والرابع والخامس، وقد لاحظ أرخوطاس أولا أن الصوت لا ينتج إلا باصطدام شيء بشيء آخر أو احتكاكه به، ورأى ثانيا: أن «هناك أصواتا متعددة تخرج عن نطاق إدراكنا الطبيعي، نظرا إلى ضعف الاصطدام المؤدي إلى حدوثها، أو إلى بعد المسافة بين الذات وبين مصدر الصوت، أو حتى لأن الصوت قد يكون أعلى مما ينبغي»، واستنتج أرخوطاس ثالثا «أن الفرق في حدة الصوت راجع إلى نسبة الحركة التي تنقلها الضربة إلى الهواء». وقد ضرب أمثلة متعددة تأييدا لنظرياته هذه في علم الصوت، هي: «الصوت البشري، ونغمة المزمار والناي، وصوت الطلبة المستخدمة في الطقوس الدينية ». وعلى الرغم من أن أرخوطاس كان عميق التأثر بالعجائب العديدة التي يجلبها العدد، فإن كتاباته لا تتضمن أية إشارة إلى أي تفسير ديني أو سحري للعلاقات العددية، كما كانت الحال بين زملائه الفيثاغوريين. وقد توصل في علم الصوت إلى تحديد النسب العددية المناظرة للمسافات التي تفصل بين أنغام السلم الرباعي القديم بالنسبة إلى ثلاثة أنواع مختلفة من السلالم؛ الربع الصوتي الإنهارموني
enharmonic
والكروماتي
chromatic
Bog aan la aqoon