ومن غريب أمره أنه مع كل ما يعمل ويعاني لا تكاد تسمع له حديثا عن نفسه! تكون المدرسة في أحرج أوقاتها وهو يعمل بجد، ويهرب بها من المعارف إلى المجلس الأعلى للأزهر ، ومن المجلس الأعلى إلى الحقانية، ويعاني في ذلك الأمرين؛ فإذا جلست إليه سمعت كل شيء إلا أنه عمل أو عانى، وإذا ظفر بطلبته لم تظفر منه أنت بكلمة يحدثك بها عن نفسه.
هذا عاطف لمن يعرفه، وهذا عاطف الذي غاب عن مدرسة القضاء ليطلع في أفق المعارف فغاب في مشرقه.
فاللهم كما قدرت علينا عظيم الرزء فقدر لنا جميل الصبر، وكما سلبت الأمة عظيما فعوضها عظيما، وأحسن إليه كما أحسن إلى أمته.
محضر جلسة
تذاكر جماعة - من ذوي الرأي - في الأدب العربي وحاجته إلى الإصلاح، وفيما له من ثروة قديمة قيمة تحتاج إلى الإحياء، واقترحوا أن يكونوا جمعية للأخذ بناصر الأدب ونشر ذخائره؛ وكان من بينهم من ينتسب إلى الجامعة الأزهرية، ومن ينتسب إلى الجامعة المصرية، ومن ينتسب إلى المجمع اللغوي، ومن هو عضو في لجنة التأليف والترجمة والنشر، ومن يتصل بدار الكتب، وغيرهم؛ وصحت عزيمتهم على ذلك، وعهدوا إلى أحدهم بوضع مشروع قانون للجمعية يحدد غرضها، ويوضح نهجها، واختاروا يوم 15 ديسمبر سنة 1936 الساعة الخامسة بعد الظهر لقراءة المشروع.
فلما حان الموعد حضر واحد فقط، وخيل إليه أنه أخطأ اليوم، أو أخطأ الساعة، أو أخطأ المكان، فأعاد قراءة الدعوة فإذا كل شيء من الزمان والمكان صحيح. وبعد ربع ساعة حضر آخر. فتبادلا العجب من عدم حضور الأعضاء في الموعد.
وأخذ من تأخر يلقي محاضرة قيمة في المحافظة على الزمن، وكيف هي عند الإنجليز والفرنسيس والألمان، وما جرى له من أحداث في هذا الباب أيام كان في أوربا، وحاجة المصريين إلى معرفة قيمة الوقت؛ وقد استغرقت محاضرته القيمة ربع ساعة كان قد حضر أثنائه عضوان آخران فاشتركوا جميعا في الحديث في هذا الموضوع، وكل يروي نادرة فيه طريفة، وقصة ممتعة؛ وتختم النادرة أو القصة بضحكات عالية يدوي بها المكان، وتتخلل الضحكات تعليقات على ما يروى تسلسل الضحك وتتابع الفكاهة.
ولا أطيل عليك، قفد تم اجتماع أغلب الأعضاء في الساعة السادسة والنصف وقد أعتذر بعضهم بزيارة صديق له عند خروجه، وآخر بتعطيل الترام له، وثالث بأنه من عادته أن ينام بعد الظهر وقد طال نومه على غير عادته، ورابع بأنه نسي الموعد لولا أنه لقي فلانا مصادفة نذكره به.
أخذوا يتناقشون في هل يختارون رئيسا للجلسة حتى يتم القانون؟ انحاز إلى هذا الرأي فريق؛ لأنه لا بد لكل جلسة من رئيس يدير المناقشة ويأخذ الأصوات؛ وعارض فريق بحجة أننا نريد أن نكون ديمقراطيين لا رئيس ولا مرءوس، وأنه حتى بعد أن يتم القانون لا حاجة لنا إلى رئيس، فكلنا سواسية في الرأي، ويكفي أن يكون للجلسة «ناموس» يدون الآراء ويأخذ الأصوات.
ولا أطيل عليك أيضا فقد وافت الساعة السابعة والجدل على أشده في هذا الموضوع الخطير! وعند تمام الساعة السابعة ونصف انتصر الفريق الأول فكان لا بد من رئيس.
Bog aan la aqoon