وإن كثرت في عين من لا يجرب
إذا لم تشاهد غير حسن شياتها
وأعضائها فالحسن عنك مغيب
ففرق كبير بين أن تنظر إلى المرأة كشيطان وأن تنظر إليها كإنسان وأن تنظر إليها كملك، وفرق كبير في كل شيء في الوجود يعرض على أنظار الناس.
وكل إنسان له نظراته في العالم من أسفل شيء إلى أرقى شيء، من مادة تحيط به ومال يعرض عليه وأعمال تتعاقب أمام نظره وإله يعبده؛ هو في كل ذلك قد يكون سخيفا في نظراته، وضيعا في رأيه، وضيعا في حكمه، وقد يبالغ في ذلك كله من السمو منزلة قل أن تنال، وعمل الثقافة أن تنتشله من تلك النظرات الوظيعة إلى النظرات السامية.
وليست نظرات الإنسان إلى الحياة قوالب من الآجر، كل قالب مستقل بنفسه، محدود بحدوده، إنما هي كسائل لطيف إذا لونت نقطة منه بلون، شع اللون في سائر السائل، وإذا سخنت جزءا منه وزع حرارته على السائل كله حتى يتعادل، بل الرأي والنظرات ألطف من ذلك وأدق وأرق، فإذا رقى النظر إلى شيء أثر ذلك رقيا في سائر النظرات.
فكل نظرات الحياة متأثرة بنظرك إلى نفسك والعكس. بل نظرك إلى الله تعالى متأثر بنظرك إلى عالمك المحيط بك؛ وهذا ما يجعل الثقافة في أي ناحية من النواحي الأدبية والعلمية تؤثر أثرا كبيرا في النواحي الأخرى حتى ما نظن أن ليست له صلة به. وقد أصاب من قال: «إن رقي الأمة في الموسيقى وتذوقها الصوت الجميل والغناء الجميل يجعلها تتعشق الحرية وتأنف الضيم وتأبى المذلة»، فمحيط المخ والعقل والشعور محدود وشديد الحساسية، كل ذرة فيه تتأثر بأقل شيء، وتؤثر بما تأثرت. والفكرة الجديدة قد تدخل في الفكر فتقلبه رأسا على عقب، وتجعل من صاحبه مخلوقا جديدا يقل وجه الشبه بينه وبين ما كان من قبل، فتجعله في أعلى عليين، أو أسفل سافلين.
إن كان هذا صحيحا، وكانت قيمة الثقافة الذاتية في مقدار ما أفادت المثقف في وجهة النظر إلى الأشياء، وتقويمها قيما جديدة أقرب إلى الصحة، أسلمنا ذلك إلى نتائج خطيرة؛ فدين خير من دين بمقدار ما تحاول تعاليمه من رفع مستوى النظر إلى الله تعالى وإلى الحياة؛ وعلم خير من علم باعتبار ما يؤدي إليه من نظر راق صحيح؛ وثقافة الإنسان لا تقدر بمقدار ما قرأ من الكتب وما تعلم من العلوم والآداب، ولكن بمقدار ما أفاده العلم، وبمقدار علو المستوى الذي يشرف منه على العالم، وبمقدار ما أوحت إليه الفنون من سمو في الشعور وتذوق للجمال.
الرجل والمرأة
لعل الطبيعة شاءت ألا تجعل من الرجل إنسانا كاملا، ولا من المرأة إنسانا كاملا، بل جعلت منهما معا إنسانا كاملا.
Bog aan la aqoon