ابنُ التلمساني - أنه يمتنع التكليف بفعل المُكْرَه عليه؛ لاشتراطهم كَوْن المأمور به بحيث يُثاب عليه، وهو لا يُثاب هنا؛ لأنه يأتي به لِدَاعِي الإكراه، لا لِدَاعِي الشرع، ولا يمتنع التكليف بِتَرْكه؛ فإنه إذَا تَرَك، كان أَبْلَغ في إجابة داعِي الشرع.
وَرَدَّ عليهم القاضي بالإجماع على تحريم القتل المُكْرَه عليه.
قال إمامُ الحرمين: (وهذه هفوة مِنه؛ لأنَّ مَحَلَّ النزاع في التكليف بِعَيْن المُكْرَه عليه، وتحريمُ القتلِ تكليفٌ بِتَرْكه) (^١).
وفيه نَظَرٌ؛ لأنَّ القاضي إنما رَدَّ عليهم بذلك لأنَّ القدرة عندهم شَرْط في التكليف، ولا يتحقق إلَّا بِأنْ يَقْدر على الشيء وضِده عندهم أيضًا، فتحريمُ القتل الذي أُكْرِهَ عليه دليلٌ على أنه قادر؛ فلا وَجْه لِمَنْعِهم التكليف بِعَيْن المُكْرَه عليه مُطْلَقًا.
هذا كله معنى كلام ابن التلمساني.
ووقع في "جمع الجوامع" اختيار امتناع تكليف المُكْرَه، فاحتاج أنْ يجيب عما جاء في المُكْرَه على قَتْل مُكافِئه مِن الإثم (أَيْ: وفي معناه وجوبُ القصاص عليه) بِأنَّ ذلك لِإيثاره بقاء نَفْسه بِذهاب مهجة غَيْره، كمن يقتل غَيْرَه في المخمصة لِيأكله مع كَوْنه مُحترمًا.
وقرر ذلك بأنَّ مَحَلَّ الإكراه ليس هو محل التأثيم؛ لأنَّ محل التأثيم اختيارُ بقاء نَفْسه على بقاء نَفْس غَيْره مع عدم اختصاص نَفْسه في نَظَر الشرع. ومحل الإكراه (وهو أحد الاثنين منه ومن المقتول) لا تأثيم فيه.
قال: (وهو نظير ما في الكفارة المخيرة أنَّ محل التخيير لا وجوب فيه، ومحل الوجوب لا تخيير فيه. أيْ: كما سيأتي بيانه) (^٢).
(^١) البرهان (١/ ٩١).
(^٢) منع الموانع (ص ١٠٠ - ١٠١).