(أن تقتل ولدك مخافة أن يَطعَم معك). قال: ثمَّ أيّ؟ قال: (أن تُزاني حليلة جارك).
وكما نرى فإنَّه حديثٌ مباشرٌ واضحٌ في إثبات ما كان يريده الشيخ ابن عبد السلام، من تفاوت درجات الكبائر.
ب- ومثالٌ آخر لتدقيق البلقيني النظر في استدلالات الشيخ ابن عبد السلام، ما يتعلق بالنص رقم ٢٣٠.
وتوضيحه أن الشيخ ذكر فيه أن الربّ سبحانه قد يَعذِرُ مَن اشتدّتْ شهوتُه، وغلبتْه نفسُه على المعصية، ما لا يَعذِرُ من خفّت شهوته، وضعُفت دواعيه بدليل قوله ﵊: "ثلاثة لا يكلّمهم الله يوم القيامة. . . شيخٌ زان، وسائل مستكبر، وملِكٌ كذّاب).
ثمَّ أورد الشيخ ابن عبد السلام حديثًا آخر للاستشهاد على هذا المعنى، وهو حديث: (إن آخِرَ من يخرج من النار، يعاهد ربَّه إذا أعطاه سؤله، لا يسألُه غيرَه، فإذا سأله غيرَه، ذَكَّره بغَدره (١) إلى أن قال: (وربُّه يعذِرُه لأنه يرى ما لا صبرَ له عليه).
استشهد الشيخ بهذا الحديث لتأييد ما ذكره من إعذار الله لمن تشتدّ الدواعي عنده لفعل أمرٍ من الأمور، بما لا يُعذِر من كان على خلاف ذلك، بأن كانت الدواعي عنده ضعيفةً خفيفةً. ووجه انطباق الحديث على هذا المعنى -في نظر الشيخ- هو ما وضّحه بقوله (فعَذَره لشدة الداعي إلى الغَدر) (٢).
_________
(١) (بغَدره) أي عدم وفائه بعهده أن لا يَسأل اللهَ غير ما سأله أولًا. وهذه الكلمة في الحديث تشتبه بلفظ (يَعْذره)؛ لذا لزم إيضاحها.
(٢) المقصود بشدة الداعي إلى الغدر، أن هذا العبد حين يرى بعد كل سؤال، أن ما كان =
1 / 57