حق فله استيفاؤه، إلا القصاص فإنَّه لا يُستوفى إلا بحضرة الإمام لأنَّ الانفراد باستيفائه محركٌ للفتن.
لكن الشيخ ابن عبد السلام استثنَى بعد ذلك صورة يجوز فيها استيفاء القصاص بدون حضرة الإمام، وهي أن المجني عليه، أو الوليّ المقتصّ: لو اقتص من الجاني على انفراده بحيث لا يُرى، فينبغي أن لا يُمنع منه، ولا سيّما إذا عجز عن إثباته.
فكتب الناسخ على هذا نقلًا عن شيخه البلقيني: أنه اختار أنه يُمنع استيفاء القصاص مطلقًا إلا بحضرة الإمام سدًّا للباب، خشية زيادة التعذيب.
٣ - مما يمكن أن يُدرج ضمن ميزات البلقيني في تعقباته على الشيخ ابن عبد السلام: تدقيقه النظرَ في استدلالات الشيخ بالنصوص، وخصوصًا ما يتعلق باستدلالاته بالأحاديث.
أ- فمن ذلك مثلًا: أن الشيخ ابن عبد السلام ذكر أن كبائر الذنوب تتفاوت درجاتها، واستدل لذلك بحديث (إن من الكبائر أن يَشتم الرجلُ والدَيْه!) (النص رقم ١٣ من هذا الكتاب).
ووجه استدلال الشيخ بهذا الحديث على ما يريده من تفاوت درجات الكبائر، ما وضّحه هو نفسه بعد إيراد الحديث، أنَّه: (جَعَل ﷺ التسبب إلى سبّهما من الكبائر، وهذا تنبيه على أن مباشرة سبّهما أكبرُ من التسبب إليه). انتهى كلامه.
لكن هذا الاستدلال من الشيخ، لا يخلو عن غموضٍ وبُعدٍ!
وأسهلُ منه وأقربُ ما فعله البلقيني في تعليقه على كلام الشيخ، بأنّه كان الأولى بالشيخ أن يَستدل لهذا الغرض بحديث (قال رجل: يا رسول الله، أي الذنب أكبر عند الله؟ قال: (أن تدعو لله ندًّا وهو خلقك). قال: ثم أيٌّ؟ قال:
1 / 56