Furashadii Carabta ee Masar
فتح العرب لمصر
Noocyada
ترجمة
محمد فريد أبو حديد
مقدمة المعرب
الطبعة الأولى
ألف الدكتور «ألفريد ج. بتلر» هذا الكتاب منذ ثلاثين عاما، وعرفته منذ عشرين، فكان من الكتب التي خلفت في نفسي أثرا كبيرا، يمتزج فيه الإعجاب والتقدير بالرغبة في أن تتملك اللغة العربية بحثا قيما مثله، والأسف على أن يخلو تراثنا الأدبي من كتاب نظيره. وأي شيء أعجب من أن تكون لغتنا العربية، وأن يكون الفتح العربي حدا فاصلا في تاريخنا يفتح صفحة جديدة في حياتنا، ثم مع هذا لا نجد وصفا عربيا لذلك الفتح يمكن أن يعتمد على دقته ويوثق بتحريه؟ فكانت النفس تتطلع إلى ضم كتاب الدكتور بتلر إلى ثروتنا الأدبية ، غير أنه كان يقعدها التفكير في مشقة ذلك العمل، ومظنة العجز عن إنجازه، وقلة الثقة بالقدرة على نشره، ثم أتيح لي أن أحقق ذلك الحلم بأن ناطت بي «لجنة التأليف والترجمة والنشر» ترجمة ذلك الكتاب؛ إذ اختارته من بين الكتب القيمة التي تسعى أبدا في إظهارها ونشرها، فوجدت في تكليفها سرور الساعي إلى تحقيق أمنية طالما تاقت نفسي إليها، وأرى أن هذا مكان لائق لكلمة أقولها عن تلك اللجنة المباركة، التي ما سعت إلى أن يعرف أحد عملها، وهي دائبة لا تفتر عن العمل في خدمة العلم والأدب، وما قصدت قط أن تظهر للملأ فضلها، وهي ماضية قدما في جهادها في ميدان التثقيف والتنوير، لم تقف خدماتها عند حد سياسي ولا عند وطن، بل كانت خدمتها للناطقين بالعربية أجمعين، بادئة بالكنانة المحروسة مصرنا المحبوبة، ولو كنت من غير أعضاء لجنة التأليف لوجدت مجال القول بعد فسيحا، ولكن حسبي ذلك من القول.
وبعد، فقد كان من حق هذا الكتاب أن ينقل إلى العربية منذ ظهر؛ فإنه يسد ثلمة في تاريخ العرب ما كان ينبغي لها أن توجد، وما كان أجدر بأن ينقله إلى العربية مصري؛ إذ إن الكتاب يتعلق بتاريخ مصر.
غير أن الذي عاقني عن ترجمته قد عاق أمثالي عنها، ولم يكن أحد ليستطيع مثل ذلك العمل الكبير في مصر إلا إذا شدت أزره هيئة علمية قوية، ولكن الخير إذا جاء متأخرا فليس ذلك بناقص من قدره، ولعل تأخر ظهوره في العربية إلى يومنا هذا كان عن قدر وحكمة؛ فإن للكتاب معنى كان لا يظهر في الماضي ظهوره اليوم، فهو اليوم في إبانه وأوانه، والأحوال ملائمة له، ومجرى الأهواء مستعد لقبوله وتلقيه؛ ذلك أن مؤلف الكتاب رجل باحث لم يقصد من تأليف كتابه إلا بيان الحقيقة ناصعة، فلم يكن ممن يذهبون في التأليف إلى غرض من دعاية دينية أو سياسية، ولا ممن يتسترون بالعلم من أجل غرض يخفيه أو شهوة يسترها، بل كان نزيها في بحثه، قاصدا في قوله إلى اللباب. ومثل هذا الباحث لا يدركه القراء حق إدراكه، ولا يقدره الناس حق قدره، إلا إذا كان الجو المحيط بهم جو بحث وراء الحق، ودرس لإجلائه والإبانة عنه، ونحمد الله إذ قد بدت في مصر هذه الأيام حركة جدية نحو البحث والدرس، ولسنا نشك في أن هذا الكتاب ممتزج بها، سائر في مسيرها، جار مجراها.
غير أن الأمر غير قاصر على ذلك؛ فإن الوقت الحالي أسعد الأوقات لظهور هذا الكتاب من ناحية أخرى، ولعلها أجل شأنا وأبلغ خطرا.
ذلك أن العرب لما دخلوا مصر كانوا فئة قليلة، وجعلوا يتخذون لهم في مصر نظاما ينتزعونه مما سبق من نظم الحكم في البلاد، وجعل عددهم يتزايد ممن دخل في الإسلام من أهل البلاد طوعا أو كرها، فإذا مصر بعد قرن فيها عدد كبير من المسلمين، وبعد أن كانوا فئة قليلة حاكمة أصبحوا فئة كبيرة تشترك وأهل البلاد في أعمال الحياة؛ ونشأ ما ينشأ بين الجيران المختلفي المشارب من المنافسات والمنازعات، وزادت تلك المنافسات على مر الزمن حتى كانت أحيانا تتخذ شكل ثورة من أهل البلاد المسيحيين، وكان رد ذلك قاسيا من جانب الحكومة القائمة التي ما كانت لتدع الثورة يندلع لهيبها من غير أن تقضي عليها، ثم مضى الوقت وكان عدد المسلمين يتزايد، وعدد المسيحيين يتضاءل، وتغيرت الدول، وتبدلت نظرتها إلى واجبها في الحكم، وداخل المسيحيين ما يداخل الأقلية عادة.
إذن كانت مصر قبل الإسلام أمة واحدة يحكمها الروم، فاحتفظت بقوميتها، وحاطتها بمذهب ديني مستقل حافظت عليه أشد المحافظة، وما كانت محافظتها على مذهبها الديني إلا صورة من صور الحرص على بقاء شخصيتها ودوام استقلالها، ثم جاء الإسلام فإذا أهل مصر بعد بضعة قرون قسمان، كل منهما منفصل عن الآخر رغم تجاورهما، وإذا فيها شعبان متنافسان يحمل أحدهما لواء الكثرة والسيادة، ويحمل الآخر سلاح الراغب عن الامتزاج والفناء.
Bog aan la aqoon