١٥ - الفرق بين المسجد والمصلى
يقول السائل: يوجد في المؤسسة التي أعمل فيها مصلىً نصلي فيه صلاة الظهر غالبًا وأحيانًا نصلي صلاة العصر، وقد حصل نقاش بين الموظفين في تحية المسجد عند دخولنا لهذا المصلى، فأحد الموظفين يقول نصلي تحية المسجد لأن له حكم المسجد، فما قولكم في المسألة، أفيدونا.
الجواب: الأصل في المسجد أنه كل موضع من الأرض لقول النبي ﷺ (جعلت لي الأرض مسجدًا) رواه البخاري، قال الإمام الزركشي: [ثم العرف خصص المسجد بالمكان المهيأ للصلوات الخمس حتى يخرج المصلى المجتمع فيه للأعياد ونحوها فلا يعطى حكمه] إعلام الساجد بأحكام المساجد ص١٤. وأما المصلى فهو المحل المهيأ للصلاة في الفضاء والصحراء حيث تقام فيه صلاة العيد والاستسقاء، ويلحق بذلك ما تعارف عليه الناس من تخصيص غرفة في مؤسسة أو مستشفى أو شركة ونحوها لأداء الصلاة. انظر الموسوعة الفقهية الكويتية ٣٧/١٩٥. قال الإمام النووي ﵀: [المصلى المتخذ للعيد وغيره، الذي ليس بمسجد لا يحرم المكث فيه على الجنب والحائض على المذهب. وبه قطع الجمهور. وذكر الدارمي فيه وجهين وأجراهما في منع الكافر من دخوله بغير إذن، ذكره في باب صلاة العيد، وقد يحتج له بحديث أم عطية في الصحيحين أن النبي ﷺ أمر الحيض أن يحضرن يوم العيد ويعتزلن المصلى، ويجاب عنه بأنهن أمرن باعتزاله ليتسع على غيرهن وليتميزن] المجموع ٢/١٨٠. ويجوز اتخاذ المصلى في محل العمل، وإن كان الأصل أن تؤدى الصلوات في المساجد، ويدل على ذلك ما ورد في الحديث عن عتبان بن مالك ﵁ أنه أتى رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله: قد أنكرت بصري أنا أصلي بقومي، فإذا كانت الأمطار سال الوادي الذي بيني وبينهم، لم أستطع أن آتي المسجد فأصلي بهم، وددت يا رسول الله أنك تأتيني فتصلي في بيتي فأتخذه مصلى، فقال له رسول الله ﷺ: (سأفعل إن شاء الله) . قال عتبان: فغدا رسول الله ﷺ وأبو بكر حين ارتفع النهار، فاستأذن رسول الله ﷺ فأذنت له، فلم يجلس حتى دخل البيت، ثم قال: أين تحب أصلي من بيتك؟ قال: فأشرت له إلى ناحية من البيت، فقام رسول الله صلى الله عليه سلم فكبر، فقمنا فصففنا، فصلى ركعتين ثم سلم ...) رواه البخاري ومسلم.
وقد ثبت في السنة المشرفة التفريق بين المسجد وبين المصلى فالمسجد له أحكام خاصة به لا يشاركه فيها المصلى ومنها تحية المسجد، فقد ثبت في الحديث الصحيح عن جابر بن عبد الله ﵄ قال: (دخل رجل يوم الجمعة المسجد والنبي ﷺ يخطب فقال له: أصليت؟ قال: لا. قال: فصل ركعتين) رواه البخاري ومسلم. وثبت في رواية أخرى عن جابر أيضًا قال: (جاء سليك الغطفاني يوم الجمعة ورسول الله ﷺ يخطب فجلس. فقال رسول الله ﷺ: إذا جاء أحدكم الجمعة والإمام يخطب فليصل ركعتين خفيفتين ثم يجلس) رواه مسلم. وعن أبي قتادة ﵁ قال: (دخلت المسجد ورسول الله ﷺ جالس بين ظهراني الناس. قال: فجلست فقال رسول الله ﷺ: ما منعك أن تركع ركعتين قبل أن تجلس؟ قال: فقلت: يا رسول الله رأيتك جالسًا والناس جلوس. قال: فإذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين) رواه مسلم. وقد صح من هدي النبي ﷺ أنه كان يصلي صلاة العيد في المصلى فإذا وصل إلى المصلى بدأ الصلاة من غير أذان ولا إقامة فكان يصلي ركعتين فيهما تكبيرات زوائد، وما كان يصلي تحية المسجد، فقد جاء في الحديث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي ﷺ: (كبر في عيد ثنتي عشرة تكبيرة سبعًا في الأولى وخمسًا في الآخرة ولم يصل قبلها ولا بعدها) رواه أحمد وابن ماجة، وقال الحافظ العراقي إسناده صالح، ونقل الترمذي تصحيحه عن البخاري. وعن أبي سعيد الخدري ﵁ (كان النبي ﷺ الناس يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى وأول شيء يبدأ به الصلاة ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس والناس على صفوفهم فيعظهم ويأمرهم) متفق عليه. فهذا الحديث يدل على أنه ﷺ لم يصل تحية المسجد. وكذلك فقد كان من هدي النبي ﷺ في صلاة الاستسقاء أنه يصليها في المصلى كما ورد في حديث ابن عباس ﵄، وقد سئل عن الصلاة في الاستسقاء فقال: (خرج رسول الله ﷺ متواضعًا متبذلًا متخشعًا متضرعًا فصلى ركعتين كما يصلي في العيد) رواه أحمد والنسائي وابن ماجة وابن حبان وصححه. وهذا الحديث أيضًا يدل على أنه ﷺ لم يصل تحية المسجد.
ومما يدل على التفريق بين المسجد والمصلى أنه يشترط لصحة الاعتكاف أن يكون في المسجد، قال الله تعالى: (ولا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) سورة البقرة الآية ١٨٧. ولم يعتكف النبي ﷺ إلا في المسجد فلا يصح الاعتكاف في المصليات. وكذلك فقد صح عن النبي ﷺ أنه كان يذبح أضحيته في المصلى، ومعلوم أن ذلك لا يصح في المسجد، فقد ثبت في الحديث عن عبد الله بن عمر ﵁ قال: (كان رسول الله ﷺ يذبح وينحر بالمصلى) . رواه البخاري. وكذلك فقد صح عن النبي ﷺ في قصة ماعز الأسلمي ﵁ أنه لما زنا (أمر به - النبي ﷺ فرجم بالمصلى) رواه البخاري. ومعلوم أن الحدود لا تقام في المسجد. ومن الفروق بين المسجد والمصلى أن المسجد لا يجوز تحويله إلى شيء آخر بشكل عام، لأن المسجد وقف لله تعالى، وأما المصلى فلا حرج في تحويله إلى مكتب أو نحوه ما لم يكن موقوفًا للصلاة فيه. ومن الفروق بين المسجد والمصلى أن الصلاة مع الجماعة في المسجد أفضل بسبع وعشرين درجة أو خمس وعشرين درجة كما ورد عن ابن عمر ﵁ أن النبي ﷺ قال (صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة) رواه البخاري ومسلم. وفي رواية أخرى للبخاري عن أبي سعيد الخدري ﵁ (صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة) .
وكذلك فإن من أحكام المسجد الخاصة به أنه لا يجوز البيع والشراء فيه وكذلك نشد الضالة لما ورد في الحديث من قوله ﷺ: (إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك وإذا رأيتم من ينشد الضالة فقولوا: لا رد الله عليك) رواه الترمذي والدارمي وهو حديث صحيح. وروى أبو داود بسنده: (أن الرسول ﷺ نهى عن البيع والشراء في المسجد وأن تنشد فيه ضالة وأن ينشد فيه شعر ونهى عن التحلق قبل الصلاة يوم الجمعة) ورواه الترمذي والنسائي وابن ماجة وهو حديث حسن كما قال الإمام الترمذي وحسنه العلامة الألباني أيضًا.
ولا بد من التذكير بمكانة بتحية المسجد فالتحية هي ما يُحيّا به الشيء أو يعظم به، ومن هنا جاءت تحية المسجد والأصل أنها تحية لرب المسجد، لأن المقصود بها التقرب إلى الله تعالى لا إلى المسجد. وتحية المسجد سنة مؤكدة عند جماهير أهل العلم، وقال بعض العلماء بوجوبها، والأول أرجح، ومما يدل على عدم الوجوب ما رواه البخاري في (باب من قعد حيث ينتهي به المجلس ومن رأى فرجة في الحلقة فجلس فيها) حيث روى بسنده عن أبي واقد الليثي ﵁: (أن رسول الله ﷺ بينما هو جالس في المسجد والناس معه إذ أقبل ثلاثة نفر فأقبل إثنان إلى رسول الله ﷺ وذهب واحد قال فوقفا على رسول الله ﷺ فأما أحدهما فرأى فرجة في الحلقة فجلس فيها وأما الآخر فجلس خلفهم وأما الثالث فأدبر ذاهبا فلما فرغ رسول الله ﷺ قال (ألا أخبركم عن النفر الثلاثة؟ أما أحدهم فأوى إلى الله فآواه الله وأما الآخر فاستحيا فاستحيا الله منه وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه) ففي هذا الحديث لم ينكر انبي ﷺ على من جلس في الحلقة أو وراءها ولم يصل التحية.
وخلاصة الأمر أن تحية المسجد خاصة بالمساجد فقط، وأما المصليات فلا تحية لها، وينبغي على المسلم أن يحافظ على تحية المسجد كلما دخل المسجد لما ورد فيها من أحاديث.
6 / 15